ما هو علم الجريمة، وكيف يغوص في عقلية المجرم؟

في الوقت الذي يكون فيه نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة وحول العالم تحت المجهر، يلعب علماء الجريمة دورًا رئيسيًا في إرساء فهم أكثر إنصافًا وقائمًا على العلم للجريمة والسياسة والعدالة الاجتماعية عن طريق تطبيق …

تحذير - قد تحتوي المقالة على مشاهد ونصوص مزعجة وحساسة، يرجى اخذ الحيطة.

في الوقت الذي يكون فيه نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة وحول العالم تحت المجهر، يلعب علماء الجريمة دورًا رئيسيًا في إرساء فهم أكثر إنصافًا وقائمًا على العلم للجريمة والسياسة والعدالة الاجتماعية عن طريق تطبيق معرفتهم النظرية وخبراتهم العملية، يقوم المتخصصون في هذا المجال بدعم وتعزيز عمل الشرطة والمحققين.

لكن ما هو علم الإجرام حقًا؟ سنكشف لكم في هذه المقالة المكونات العديدة لهذا النظام سريع التطور والذي أصبح ركيزة مهمة للقبض على المجرمين.

علم الجريمة هو دراسة الجريمة والسلوك الإجرامي، مستنيرًا بمبادئ علم الاجتماع وغيرها من المجالات غير القانونية، بما في ذلك علم النفس والاقتصاد والإحصاء والأنثروبولوجيا، حيث يفحص علماء الجريمة مجموعة متنوعة من المجالات ذات الصلة، التي تتضمن صفات مرتكبي الجرائم، أسباب ارتكاب الناس للجرائم، آثار الجريمة على الأفراد والمجتمعات، وطرق منع الجريمة.

تاريخ علم الجريمة

تعود جذور علم الإجرام إلى حركة لإصلاح العدالة الجنائية وأنظمة العقوبات منذ أكثر من 200 عام في اوروبا، ثم أرسى أول جمع واستخدام لإحصائيات الجريمة في القرن التاسع عشر الأساس لمجموعة من الأدوات والأساليب المتطورة بشكل متراكم، مما أدى إلى استخدامنا الحديث للملخصات الوصفية ودراسات الحالة والأنماط والتحليلات التنبؤية.

أصول القرن الثامن عشر للنظرية الإجرامية

دعا كتاب سيزاري بيكاريا “حول الجريمة والعقوبات” الذي نُشر عام 1764، إلى جعل العقوبة تتناسب مع خطورة الجرائم ، كما هو موضح أدناه:

– يجب أن تكون العقوبات على الجرائم علنية وسريعة، وفي الحد الأدنى الممكن في ظل الظروف المحددة التي ينص عليها القانون.

– تهدف العقوبات إلى ردع الجاني عن ممارسة المزيد من الأنشطة الإجرامية.

– تستند الشدة إلى مستوى الضرر الناجم عن الجريمة وليس على نية الجاني.

يسلط الموقع المرجعي القانوني JRank الضوء على عمل بيكاريا وجيرمي بنثين اللذان أوضحا أن الدافع وراء اختيارات الناس هو اما البحث عن المتعة أو تجنب الألم، لذا يجب أن تردع العقوبة على جريمة من خلال التأكد من أن ألم العقوبة المحتملة أكبر من المتعة الآتية من ارتكاب الجريمة، وبالتالي حفزت هذه الفكرة الجهود الأولى في الولايات المتحدة وأوروبا لتقنين وتوحيد القانون.

تطور علم الجريمة الحديث في منتصف القرن العشرين

تضمن تطور علم الجريمة “الحديث” في منتصف القرن العشرين السعي لفهم أسباب الجريمة من خلال دراسة الظروف الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، كان عمل معهد القانون الأمريكي بشأن قانون العقوبات النموذجي عبارة عن جهد استغرق 10 سنوات وخرج للنور في عام 1962، أرسى القانون معايير جديدة للمسؤولية الجنائية تأخذ في الاعتبار العناصر العقلية للمجرم.

كان القانون بمثابة نموذج لمراجعات قانون العقوبات في عدة ولايات، كما كان له دور فعال في رسم قانون العقوبات الفيدرالي لأول مرة، ألهم القانون جهودًا أخرى لإصلاح القانون الجنائي من خلال تطبيق أبحاث علم الجريمة.

“علم الجريمة الجديد” وتأثير الاضطرابات الاجتماعية على الجريمة

في القرن العشرين، ركزت مناهج جديدة لعلم الإجرام على أسباب الجريمة، مثل الصراعات بين الطبقات التي أدت إلى الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، فمثلا يركز علم الجريمة في العملية الاجتماعية على السلوك الإجرامي باعتباره شيئًا يتعلمه الناس من خلال التفاعل مع الآخرين عادة في مجموعات صغيرة.

في المقابل، تركز نظرية التحكم على تدريب الناس على التصرف بشكل مناسب من خلال تشجيع السلوك الملتزم بالقانون، وأساس نظرية التحكم هو الاعتقاد بأن الروابط الشخصية تؤدي إلى وجود ضوابطنا الداخلية، مثل الضمير والشعور بالذنب، وضوابطنا الخارجية، مثل العار، بالتالي تمنعنا من خرق القانون.

نهج متعدد التخصصات لعلم الجريمة

في أبحاثهم، يأخذ علماء الجريمة في الاعتبار العديد من وجهات النظر حول أسباب الجريمة وآثارها، يقبل هذا النهج متعدد التخصصات لعلماء الجريمة أنه لا توجد إجابة واحدة عن سبب ارتكاب الأشخاص للجرائم، تشير الأبحاث إلى أن محاولات السيطرة على السلوك السيئ تعود إلى الحضارات الأولى.

قد تكون العوامل بيولوجية أو نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية، المجرمون مدفوعون بالجشع والغضب والغيرة والكبرياء وغير ذلك من العواطف، سعيًا وراء تحقيق مكاسب مادية، فهم يريدون السيطرة أو الانتقام أو السلطة.

تشمل الأسباب أو الدوافع المحتملة للنشاط الإجرامي ما يلي:

العلاقات الأبوية، الجينات الوراثية والدماغ، الهرمونات، التعليم، تأثير الأقران، المخدرات والكحول، و الفرص السهلة.

علم الجريمة والمنظور القانوني

يدرس العلماء الجريمة على أنها عمل غير قانوني يعاقب المجتمع عليه من خلال النظام القانوني، ويركز الباحثون على أسباب الجريمة ومنعها وتصحيحها بشكل عام، على النقيض من ذلك، يركز القانون على جرائم وعقوبات محددة تحكمها القوانين واللوائح، فضلاً عن الإجراءات القانونية المعمول بها.

التعريف القانوني للجريمة هو جريمة ضد القانون العام، ولكي توصف بأنها جريمة، يجب أن تكون الجريمة معاقبة، سواء بالغرامة، أو فقدان الحرية، أو بأي طريقة أخرى، قام علماء الجريمة بتوسيع تعريف الجريمة ليشمل السلوك الذي لا ينتهك القانون الحالي، وهذا يشمل الاستغلال الاقتصادي والتمييز العنصري وبيئات العمل غير الآمنة أو غير الصحية.

نظريات علم الإجرام: المدرسة الكلاسيكية والوضعية وشيكاغو

البحث في نظريات علم الجريمة هو في المقام الأول بحث اجتماعي أو نفسي، ترى النظريات الاجتماعية لعلم الإجرام الجريمة على أنها استجابة بشرية طبيعية للظروف الاجتماعية غير الطبيعية والجنائية.

تعود النظريات النفسية لعلم الإجرام إلى نظرية التحليل النفسي للعالم النفسي سيغموند فرويد، التي تقول أن الجريمة تنتج عن الفشل في تكوين روابط صحية ومحبّة في العائلة، كما قدم علم النفس السلوكي مفهوم المكافآت والعقوبات كالتالي: تتكرر الجريمة عند الحصول على المكافأة، بينما لا تتكرر إذا عوقب عليها.

اليوم، تسود ثلاث نظريات علم الجريمة: المدارس الكلاسيكية والوضعية ومدارس شيكاغو.

تقول المدرسة الكلاسيكية أن الناس يختارون بحرية الانخراط في الجريمة، تنص النظرية النفعية لجيرمي بنثام على أن البشر مدفوعون إما في الرغبة بالمتعة أو النفور من الألم.

تطبق المدرسة الوضعية النظرية العلمية على علم الإجرام، وتركز على العوامل التي تجعل الناس ترتكب الجرائم باستخدام التجربة العملية والاعتماد على الحقائق والوقائع المنطقية.

تنص مدرسة شيكاغو على أن الجريمة ناتجة عن “الفوضى الاجتماعية”، والتي تم تعريفها في موسوعة علم الجريمة والعدالة الجنائية على أنها “عدم قدرة المجتمع على إدراك القيم المشتركة والحفاظ على ضوابط اجتماعية فعالة للحد من الجريمة”.

جميع المدارس تتشكل سويًا من أجل إعطاء فكرة واضحة عما يدور في عقل المجرم وبالتالي يسهل من عملية فهم الجريمة ودوافعها بشكل أكثر سلاسة ووضوح.

تأثير علم الجريمة في الحد من الجرائم ومنعها

درس البحث الذي أجراه قسم الأبحاث في مركز مينيسوتا هاوس في ولاية مينيسوتا فعالية نظرية الردع الإجرامي التي تعود إلى القرن الثامن عشر، و توصلوا إلى ثلاثة استنتاجات:

– الردع هو الأكثر فعالية للجرائم المخطط لها مسبقًا.

– إن إطالة عقوبات السجن التي هي بالأساس طويلة لا تنفع بشيء لردع الجريمة.

– إن زيادة احتمالية القبض على الفرد هو رادع جريمة أكثر فاعلية من زيادة العقوبة.

علم الجريمة ومعاملة المجتمع للمجرمين والضحايا

لم يتم إيلاء اهتمام يذكر لاحتياجات ضحايا الجريمة حتى السبعينيات، عندما قرر المعهد الوطني للعدالة التابع لوزارة العدل الأمريكي أن السبب الرئيسي للمحاكمات غير الناجحة هو المعاملة السيئة للشهود والضحايا من قبل نظام العدالة الجنائية، ومنذ ذلك الوقت، عملت التشريعات وبرامج إنفاذ القانون، بما في – ذلك قانون العنف ضد المرأة لعام 1990، على حماية الضحايا والشهود ومساعدتهم.

وبالمثل، أثرت أبحاث علم الجريمة على كيفية معاملة المجرمين في الحجز، حيث طورت نقابة المحامين الأمريكية معايير لمعاملة السجناء تصف السياسات الإصلاحية والمعايير المهنية التي تتوافق مع القانون الدستوري والتشريعي.

علم الجريمة مقابل العدالة الجنائية: ما الفرق بينهما؟

التمييز الأساسي عندما يتعلق الأمر بعلم الإجرام مقابل العدالة الجنائية هو تركيز علم الإجرام على دراسة الجريمة وتركيز العدالة الجنائية على استجابة المجتمع للجريمة، كما تطبق العدالة الجنائية المبادئ والمفاهيم التي طورها علماء الجريمة لإنفاذ القوانين والتحقيق في الجرائم، وكذلك لمحاكمة المجرمين ومعاقبتهم وإعادة تأهيلهم.

ما هي العدالة الجنائية؟

يُعرّف القاموس القانوني العدالة الجنائية الأمريكية على أنها مجموعة من الإجراءات التالية:

التحقيق في السلوك الإجرامي، جمع الأدلة على الجريمة، القيام بالاعتقالات، تقديم الاتهامات إلى المحكمة

رفع الدفاعات، إجراء التجارب، وتنفيذ العقوبات.

على النقيض من ذلك، فإن علم الإجرام يركز على الجوانب العلمية والأكاديمية للدراسة الميدانية للجريمة والسلوك الإجرامي، كما يشمل عمل العدالة الجنائية:

الشرطة، المحاكم الجنائية، السجون والمؤسسات الإصلاحية الأخرى، وأنظمة قضاء الأحداث.

العدالة الجنائية وإنفاذ القانون الفعال

في القرن العشرين، ظهر مجال العدالة الجنائية كمحاولة لتحسين فعالية إنفاذ القانون في ضوء توسيع الإجراءات القانونية وغيرها من الحقوق للمتهمين الجنائيين، كما توضح دائرة المعارف البريطانية، توسعت دراسة العدالة الجنائية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

تؤكد الأبحاث الحديثة في مجال العدالة الجنائية على الدراسات حول فعالية استراتيجيات ومناهج معينة لمكافحة الجريمة، كما درس الباحثون ما إذا كان اعتقال الزوج المسيء يمنع وقوع حوادث مشابهة في المستقبل، وما إذا كانت برامج إعادة تأهيل السجون فعالة في الحد من العودة إلى الإجرام.

أحد مجالات أبحاث العدالة الجنائية التي تكون دقتها منخفضة حاليًا هو الجهد المبذول للتنبؤ بالمجرمين الذين من المرجح أن يرتكبوا جرائم أخرى، وقد تم استجواب الباحثين حول ما إذا كانت هذه الجهود تنتهك الحقوق الدستورية للأفراد، فالجناة المحتملين قد يعاقبون ليس على ما فعلوه ولكن على ما قد يفعلونه في المستقبل.

تأتي مثل هذه القضايا في طليعة المناقشات الحديثة حول العلاقات بين الحقوق المدنية وإنفاذ القانون، في حين أن الجينات والنمط المتكرر تلعب دور مهمًا في تحديد سلوك الفرد، فلا بد أن يلعب علماء الجريمة في المستقبل دورًا مهمًا في إنشاء إطار أكثر إنصافًا لمنع الجريمة.

علم الجريمة والعدالة الجنائية يعملان معًا لمكافحة الجريمة

العدالة الجنائية وعلم الإجرام مجالان منفصلان، لكنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، نظريًا وعمليًا، من وجهة نظر علماء الإجرام المحتملين والمتخصصين في إنفاذ القانون، يتمثل الاختلاف الكبير في تركيز علم الجريمة على العلوم والبحوث، وتركيز العدالة الجنائية على التطبيق والإدارة.

على سبيل المثال، يستجيب علماء الجريمة لإرتفاع جرائم القتل من خلال دراسة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الأساسية، على النقيض من ذلك، يستجيب مسؤولو العدالة الجنائية بالعمل على منع جرائم القتل في المستقبل والقبض على الجناة.

يندمج المجالان في علم الجريمة التطبيقي، الذي يدرس مشاكل العالم الحقيقي المتعلقة بالجريمة والعدالة الجنائية، كما تُطبق مفاهيم علم الإجرام على سياسة وممارسات العدالة الجنائية الفعلية، والهدف هو جعل علم الإجرام وثيق الصلة بطريقة التعامل مع الجريمة سواء الحد منها أو إيقافها بالعقاب.

يعمل علماء الجريمة على تعزيز جهود مكافحة الجريمة عبر أدوات مثل نظام CompStat التابع لإدارة شرطة نيويورك، والذي تستخدمه الآن إدارات الشرطة في جميع أنحاء البلاد للجمع بين تحليل الجريمة وتقنيات نظام المعلومات الجغرافية، حيث يقدم عملهم طرقًا مبتكرة لتحسين إنفاذ القانون وغرس الثقة في نظام العدالة الجنائية.

كيف يدعم علماء الجريمة تطبيق القانون

كمثال، فإن اثنان من أكثر أدوات التحليل الإحصائي فعالية في وزارة العدل الأمريكية لمساعدة جهود مكافحة الجريمة المحلية هما نظام UCR التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي وNCVS التابع لمكتب العدل، تختلف بعض السلطات القضائية المحلية حول ما يشكل جريمة، بعض الولايات القضائية لا تبلغ إلا عن الجرائم التي تنطوي على الحبس، في حين أن البعض الآخر يشمل المخالفات بدفع غرامة.

طور علماء الجريمة مجموعة من الأدوات المستندة إلى الإحصائيات التي تدعم وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية والولائية والمحلية في دول متعددة.

تحلل الدراسة الاستقصائية على مستوى المدينة لضحايا الجرائم ومواقف المواطنين الاستطلاعات التي أجراها مكتب خدمات الشرطة المجتمعية التابع لوزارة العدل لتحديد تصورات الناس عن الشرطة المجتمعية والقضايا في أحيائهم.

تقوم إحصائيات غرفة الطوارئ حول العنف المتعمد بمسح عينة من غرف الطوارئ بالمستشفيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة لتحديد حالات العنف المنزلي والاغتصاب وإساءة معاملة الأطفال والإصابات المتعمدة الأخرى.

يُجري استطلاع الاتصال بين الشرطة والعامة مقابلات مع عينة تمثيلية من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد الذين أبلغوا عن جريمة أو تم احتجازهم في محطة مرور لقياس تصوراتهم لسلوك الشرطة واستجابتها أثناء المواجهة.

بالطبع يمس عمل علماء الجريمة جميع جوانب الحياة الاجتماعية تقريبًا، تتطلب التحقيقات الجنائية مهارات وتدريب متخصصين، وقدرة متطورة على معالجة الأرقام، وقدرًا كبيرًا من العمل الميداني الذي يتفاعل مع الزملاء داخل وخارج العدالة الجنائية، ومع الجمهور.

المصدر: وكيبيديا، كرايم لاين

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
اظهر جميع التعليقات
0
ما رأيك بهذه المقالة؟ شاركنا رأيكx
()
x