هل رؤية الأخرين لنا تطمس من جوهرنا الحقيقي؟

ما هو جوهرك؟ ما الذي يجعلك، أنت؟ إن هذه ليست مجرد أسئلة أكاديمية لفلاسفة مجتمعين حول نقاش عقيم، بل هي أسئلة عملية ذات تداعيات حقيقية. فلنأخذ كفنان شرطة يرسم رسمًا للمشتبه به استنادًا إلى وصف …

تحذير - قد تحتوي المقالة على مشاهد ونصوص مزعجة وحساسة، يرجى اخذ الحيطة.

ما هو جوهرك؟ ما الذي يجعلك، أنت؟ إن هذه ليست مجرد أسئلة أكاديمية لفلاسفة مجتمعين حول نقاش عقيم، بل هي أسئلة عملية ذات تداعيات حقيقية.

فلنأخذ كفنان شرطة يرسم رسمًا للمشتبه به استنادًا إلى وصف شاهد عيان، أو محلل نفساني يكتب حول سمات السلوك الخاصة بأحد “المجرمين”، تصبح هذه التصوّرات أدوات في التحقيقات الجنائية التي غالبًا ما تؤدي إلى اعتقال المشتبه بهم، ولكن إذا فشلت في احتواء جوهر الشخص المطلوب، فقد يتم اعتقال الشخص الخطأ..

الفنانة الفرنسية ستيفاني سوليناس مهتمة بطبيعة الهوية الغامضة، ومعرضها في فرانكلاب في سان فرانسيسكو لعام 2017 تحت عنوان “الهوية”، في أحد مشاريعها، على سبيل المثال، تأخذ صورة شخصية لآلفونس بيرتيلون التي تم التقاطها في عام 1893، وهو ضابط شرطة فرنسي اخترع طريقة لتحديد هوية المجرمين استنادًا إلى التصوير والقياسات التشريحية قبل انتشار بصمات الأصابع.

سوليناس استخدمت برنامج تحليل الوجه لمعالجة صورة الشخصية من أجل إنتاج قناع ورقي ثلاثي الأبعاد، ثم قطعته إلى قطع ودعت أشخاص يقومون بتجميعها مرة أخرى لإعادة بناء وجه بيرتيلون.

في مشروع آخر يسمى “السمات”، قامت بتصوير رجال شباب من جهة الوجه الأمامية والجانبية على غرار سجلات الشرطة في جميع أنحاء العالم. قامت برسم على الصور المستحدثة باستخدام تسليط الضوء على خصائص الوجه التي يُشتهر بها شخص ما – محولة الصور إلى صور كاريكاتورية تقريبًا، كلا المشروعين“الهوية” و”السمات” أظهروا كيف نحرف هوية شخص ما فقط من خلال محاولة تحديده، ولكن المشروع الأقوى لها الذي قدم هذه الفكرة بأفضل تأثير هو “دومينيك لامبرت”.

في فرنسا، دومينيك هو الاسم الأكثر شيوعًا بين الرجال والنساء ، وهو أيضًا الاسم الأكثر شهرة في المجمل بالترتيب رقم 27 ، في حين يعد لامبرت هو اللقب الأكثر شيوعًا بالترتيب رقم 27. عندما أطلقت سوليناس المشروع ، كان في دليل الهاتف الفرنسي 191 دومينيك لامبرت. قامت بإرسال رسائل إلى جميع هؤلاء (191)، مدعوةً إياهم للمشاركة في تجربة فنية تشتمل على استكمال اختبار الشخصية واستبيان. هذا ينطوي على استكمال قائمة بعبارات مثل “إذا كنت لونًا ، سأكون…”. من بين 65 شخصًا ردُّوا على الرسالة، أرسل 20 منهم صورة جواز سفر كما طلبت سوليناس، وهؤلاء أصبحوا مجموعتها العينية.

سوليناس أنشأت لجنة الاستشارة لوصف دومينيك لامبرت، وضمت فيها عالم نفسي، وخبير إحصائي، ومفتش شرطة، ومحامٍ، وخبير في هوية الشركات. كان على هؤلاء الخمسة التعاون في كتابة وصف مادي لكل من الـ20 دومينيك لامبرت، استنادًا إلى إجاباتهم في الاستبانة.

يُقرأ في أحد خانات الوصف: “إنه رجل في عمر 45 عامًا، قوامه متين، يظهر بتساقط شعره من الجبهة مع جبين مرتفع. يرتدي نظارات دائرية عالية على جسر أنفه، ولديه شارب مرتب بشكل جيد.”

استنادًا إلى هذه النصوص، قام الفنان الجرافيكي بنوا بونيمازون-فيت بإعداد رسومات، التي قام المحقق الشرطي دومينيك لديد بتحويلها باستخدام برنامج تقنية التعرف على الوجه الإلكتروني (E-FIT). وباستخدام هذه الصور المُعالَجة بواسطة E-FIT، استخدمت سوليناس كاميرا ذات تنسيق كبير لتصوير سكان باريس الذين يشبهونهم إلى حد كبير..

الخطوة النهائية للمشروع هي سلسلة من الكتب، كتاب واحد لكل دومينيك لامبرت، توثق العملية من البداية إلى النهاية. يتم استكمال كل كتاب بصورة جواز سفر أصلية لأحد دومينيك لامبرت، مخبأة في ظرف مختوم. لا يُمكن رؤية الصورة في المعرض – يجب شراء الكتب حتى تستطيع رؤيتها..

في المجمل لخص المشروع أنه لايكشف لسوليناس أية وجوه تكمل سلسلة معينة. إنها تقول فقط أن بعض لوحاتها لا تشبه الشخص الأصلي على الإطلاق، والبعض يأتي بشكل مقارب جدًا، والبعض الآخر مختلف وبشكل أكثر تحسينًا من الشخص الأصلي.

هناك نقطة جدية في هذا الجهد المثير للاهتمام، كل خطوة ترافقها حتمًا فقدان وكسب للمعلومات، مما يجعل العديد من التفسيرات ممكنة. تذكرنا سوليناس أن الجهات الرسمية تستخدم هذه الأدوات لتمثيلنا. ولكن بدلاً من انتقاد ذلك، تقول سوليناس إن مشروع دومينيك لامبرت يتسائل حول قوة ما يعتقد الأخرين أنه أنت يتجاوز الهوية الأصلية نفسها.

المصدر: نيوساينتست

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
اظهر جميع التعليقات
0
ما رأيك بهذه المقالة؟ شاركنا رأيكx
()
x