كان غيتسيس وميريل لي من الوجوه المعروفة في مجتمع باريش فلوريدا، إذ أمضيا عقودًا في منزل بشارع 121 إيست أفينيو شيّده غيتسيس لي في ثلاثينيات القرن الماضي. كان لي، البالغ 63 عامًا، مالك متجرٍ عام ويُنظر إليه بوصفه “العمدة” غير الرسمي لباريش لما يقدّمه من مساعدة لذوي الحاجة. لم يُرزق الزوجان بأطفال، إذ لم تكن ميريل لي قادرة على الإنجاب.
قبل الحرب، كان يدير متجره ويعتني ببستان حمضيات صغير ملاصق لمنزله، يوفّر له دخلًا متواضعًا. وبحلول عام 1957، كانت ممتلكاته قد اتسعت لتشمل مزرعة تضم 100 رأس من الماشية وأربعة بساتين حمضيات كبيرة.
كان لي غالبًا ما يحمل مبالغ كبيرة من النقود ويتباهى بثروته علنًا. وأقام علاقات غرامية عديدة، يغدق فيها الهدايا على عشيقاته.
وقال أحد أقدم أصدقائه لصحيفة ذا تامبا باي تايمز في مايو 1963: “كان العجوز غيتسيس كريم، لكنه كان يبعثر ماله على النساء.”
ولمدة ست سنوات، كانت له علاقة في برادنتون مع امرأة تصغره بما يكفي لتكون في سن ابنته. وعندما لم تُقبل للعمل في بنك ببلدة بالمِتو، سحب كل أمواله من ذلك البنك، واشترى لها سيارة، وبدأ بسداد أقساط رهن منزلها البالغ 4,000 دولار.
وبعد أن سرق لصوص خزنة متجره، صار لي يحمل معه دائمًا مسدسًا.
أما ميريل لي، البالغة 60 عامًا، فكانت على النقيض تمامًا من زوجها وتميل إلى العزلة، فلا تغادر المنزل إلا نادرًا لزيارة الجيران.

كتب جاد أرنت، الذي كان حينها مراسلًا لصحيفة تامبا باي تايمز، في يوليو 1957 أن ميريل لي كانت “امرأة مسالمة، منطوية، لا تؤذي ذبابة، ومن النوع الذي يحمل كعكة للجيران”.
في الخميس، 7 مارس/آذار 1957، تعرّضت باريش لإحدى أسوأ العواصف التي شهدتها المنطقة منذ سنوات. ومع ذلك، مضى يوم لي على نحوٍ اعتيادي: افتتح متجره عند السادسة صباحًا، عمل حتى الإغلاق، ثم أوصل موظفًا لديه، دونالد إيه. دورانس، البالغ 26 عامًا، إلى منزله بعد انتهاء الدوام.
في صباح اليوم التالي، وصل دورانس لبدء نوبته ليجد المتجر مقفلًا ولا أثر للي—وكانت تلك المرة الأولى خلال ثلاثين عامًا التي لا يفتح فيها لي المتجر.
توجّه دورانس إلى منزل آل لي، ولاحظ أن ثلاث مصابيح مضاءة والباب الخلفي مفتوح، لكن لا وجود لأي من لي أو زوجته. فأبلغ مكتب شريف مقاطعة ماناتي.
وعند وصول النواب إلى المنزل، عثروا على حقيبة يد ميريل لي فوق السرير، وغطاء السرير مطويًا، وسرير لي غير مستعمل. ولم تكن هناك دلائل على عنف داخل المنزل.
وفي الخارج، لاحظوا قشور برتقال وآثار أقدام حول شجرة برتقال، لكنهم سارعوا إلى استبعاد فرضية أن الجاني راقب المنزل مسبقًا. فقد أوضح سمايلي أن العمال كانوا قد قاموا مؤخرًا بتقليم الأشجار، وربما أكل المُقلمون البرتقال وتركوا تلك الآثار.

بدأت عملية بحث واسعة عن الزوجين، وتولّى المدعي العام ويليام ماكينلي “ماك” سمايلي قيادة التحقيق.
أبلغ دورانس سمايلي أنه بعد إغلاق المتجر أوصله لي إلى منزله، ووضع بين 2,000 و3,000 دولار من النقود والشيكات في صندوق السيارة.
تمكّن المحققون من تتبّع تحركات لي إلى حدّ معين. فبعد أن أنزل دورانس، اشترى ثلاث وجبات دجاج وقاد إلى منزل عشيقته في برادنتون. وما حدث بعد ذلك يظل لغزًا.
لم تُشاهد ميريل لي بمفردها أو مع زوجها — يوم 7 مارس. وقد ذكر سيدني وفيفيان بيوس، اللذان يعيشان قبالة منزل آل لي، أنهما رأياها في الليلة السابقة عندما زارتهما.
وقالت فيفيان بيوس في عام 2015: “قالت إنها كانت تُمشّط شعرها حين لمحت شخصًا خارج نافذتها يراقبها”.
ورأى شهود آخرون سيارة متوقفة أمام متجر لي المعتم ليلة 7 مارس. ولم يولوا الأمر اهتمامًا آنذاك لأنهم اعتادوا رؤية مركبات هناك بعد ساعات العمل.
صباح الجمعة، 8 مارس 1957، عثرت الشرطة على سيارة لي المتروكة قرب متجر غروفر للبقالة في بالمِتو، على بُعد نحو 12 ميلًا جنوب غرب باريش، على الطريق السريع 41 كانت المركبة مقفلة، وبداخلها قبعة لي، وقد اخترقت رصاصة القبعة. وذكرت مقالة في تامبا باي تايمز بتاريخ مارس 1957: “لم تكن على القبعة آثار دماء ولا حروق بارود، لكن تم رصد جزيئات من الرصاص”.

ذكر عامل في محطة خدمة قريبة للشرطة أن السيارة كانت متوقفة هناك في وقتٍ ما من الليلة السابقة.
في اليوم التالي، كان ستانلي فيغشايد، عامل طرق من تامبا يبلغ 25 عامًا، يقود عائدًا إلى منزله على طريق إيري عندما لمح ما يشبه الدم على حافة الطريق فتوقف. ترجل ليتحقق، فعثر على جثة ميريل لي مضروبة ومطعونة، ممددة ووجهها إلى الأسفل وملتفة بوضعية جنينية داخل قناة مائية على مقطع مهجور من طريق إيري. كانت ميريل لي ترتدي بلوزة وتنورة وحذاءً قماشيًا منخفض الكعب؛ وذكرت مقالة عام 1963 أنها كانت تنتعل شباشب حمراء ناعمة النعل.
أظهر التشريح أن ميريل لي أُصيبت بأربع طلقات — في الرأس والعنق والجنب وأسفل الساق قرب الركبة. ورجّحت السلطات أن خاطفيها أطلقوا النار على ساقها أولًا حين حاولت الهرب، ثم أطلقوا ثلاث رصاصات أخرى. وقُدّر وقت وفاتها بين التاسعة و11:30 مساءً يوم 7 مارس 1957.
وعلى الرغم من عملية البحث الواسعة، لم تتمكّن الشرطة من العثور على لي. لكنها وجدت كوخًا مهجورًا قرب إلنتون يحوي بقع دماء وقميصًا ملطّخًا بالدماء وتذاكر بوليتا متناثرة. كما عثروا على قارب تجديف غارق يُقال إنه يعود للي وعلى سيارة متروكة، غير أن تتبّع المركبة لم ينجح. وقالت السلطات لاحقًا إن بقع الدم كانت لحيوان، دون تقديم معلومات إضافية عن البقية.
استجوب المحققون عددًا كبيرًا من الأشخاص طوال سير التحقيق، لكن مع نضوب الخيوط، أصبح الملفّ باردًا.
وظهرت بضع نظريات في قضية لي.

قال بعضهم إن غيتسيس التقى بعصابة مقامرين بوليتا في تامبا، وإن قاتلًا محترفًا تولّى تصفيته. هذا اللعب الشبيه باليانصيب، الذي تديره شبكات إجرامية، انتقل من كوبا إلى يبور سيتي في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وكان بإمكان شراء التذاكر من محال البقالة، وعمّال توصيل الصحف، وحتى بعض سائقي الأجرة.
ذكر المقيم القديم لامار باريش، الذي كانت له معاملات مع لي، أنه لم يرَ قط لي يبيع تذاكر البوليتا. لكنّ سكانًا آخرين يتذكرون أنه كان يبيعها، ما كان يعني أنه يقتطع نسبة للمُنظّمين.
وأشارت فرضية أخرى إلى أنّ للي صِلات بعملية واسعة لصناعة الخمور المهرَّبة، وأن مُصنّعيها ربما قتلوه. وقد أفادت صحيفة هيرالد-تريبيون عام 2007 بأن “ريف ماناتي كان مكانًا مثاليًا لإخفاء عدة معامل غير قانونية. وكانت كميات السكر والذرة الكبيرة في متجر لي لتجعل منه حليفًا جذابًا لمنتجي الخمور.”
ورأى آخرون أن لي قتل زوجته وفرّ إلى البرازيل أو المكسيك أو وجهة نائية أخرى، غير أن والدة لي، إليزابيث “ليزي” لي، كانت تعتقد أنه قُتل هو أيضًا. وأصرّت قائلة: “لقد قتل أحدهم ولدي”، وعرضت مكافأةً مالية. وتوفيت عام 1962 دون أن تعرف ما جرى لابنها.
كما اعتقد بعضهم أن جريمتي القتل كانتا بدافع العاطفة، ارتكبتهما عشيقة غيورة أو الزوج.
يوم السبت 11 مايور 1963، كان رجلان عائدين من رحلة صيد عندما شاهدا أفعى بطول مرتين فأطلقا النار عليها. وأثناء تتبّع الأفعى المصابة، عثرا على رفات هيكلية في غابة نخيل من نوع بالميتو على بُعد نحو 1.5 ميل شرق باريش، وعلى بضعة أمتار من الطريق الحكومي 62 إلى الغرب من طريق سبنسر باريش.
وُجدت الجمجمة على مسافة بضعة امتار من بقية العظام، بعد أن بدّدتها الحيوانات. وقد عثر المحققون على محفظة لي، وساعة لورد إلجين ذهبية، وحذاء، وطقم أسنان صنعي تبيّن لاحقًا من طبيب أسنان لي أنه يعود له.
فحص الدكتور ج. لورنس أنجل من مؤسسة سميثسونيان الرفات الهيكلية.
في 27 مايو 1963 وبحسب الهيرالد-تريبيون، حققت الشرطة في جميع الفرضيات الممكنة وتتبّعت عشرات الخيوط، واستجوبت مشتبهين في أنحاء الولاية وأجرت بضعة اختبارات كشف كذب. ومع ذلك، لم تُسجّل أي اعتقالات في جريمة القتل المزدوجة، وظلّت القضية بلا حل.

تعتقد السلطات أن آل لي كانوا يعرفون قاتليهما، لكن الأشخاص المتورطين ربما تُوفّوا. وفي مايو 2008، دمّر حريق منزل عائلة لي.
لماذا لم يقتل الجناة آل لي داخل منزلهما؟ ولماذا جرى التخلص من الجثتين في مواقع متفرقة؟
من المعتقد أن ميريل لي رأت أحد القتلة في الليلة السابقة، واقفًا خارجًا يراقبها بينما كانت تُمشّط شعرها. لا أعرف لماذا فعل ذلك أو لماذا لم يُبالِ إن لمحته. ومن الواضح أنها لم تتعرّف إليه، وإلا لكانت أخبرت بيوس بهويته.
لابما قام لي بقتل زوجته، ولفّق موته، ثم لاذ بالفرار. ففي تلك الفترة لم يكن بإمكان السلطات تحديد هوية الرفات العظمية كما نفعل اليوم، لذا كان من المحتمل أن تعود الرفات لأي شخص. وقد جرى التعرف إليه عبر طقم أسنانه الصناعي لا أسنانه الأصلية. كما أن نظارته ومسدسه لم يُعثَر عليهما قط. لقد كان يرتدي نظارته دومًا ويحمل مسدسه بانتظام؛ وكان ينبغي أن تكون تلك الأغراض مع رفاته. وماذا عن الأدلة التي وُجدت في الكوخ؟
ثمة أمر يستحق الذكر، قد يكون مرتبطًا بالقضية وقد لا يكون: اختفاء أحد الغواصين المشاركين في البحث عن لي.
قضى فريد أرووسميث وجين كلاود ساعتين في مارس 1957 يفحصان المياه على امتداد الطريق ولم يعثرا على أي أدلة متصلة بقضية لي.
قالت جدته لصحيفة تامبا باي تايمز في أكتوبر 1957: “مرض في اليوم التالي لعملية الغوص لصالح الشريف، وقال لي إنه لا يريد الغوص بعد الآن. سألته عن السبب فقال إنه قد يرى شيئًا لن ينساه أبدًا إذا واصل”.
باع أرووسميث معدات غوصه مقابل 100 دولار وقَبِل وظيفة في ورشة دهان وهيكلة سيارات في ميامي. وكان يرسل جزءًا من راتبه إلى زوجته وأطفاله الثلاثة الذين كانوا يعيشون مع جدته.
وكانت آخر مرة رأته فيها في 9 مايو غادر منزلها ليقود إلى ميامي ويبدأ عمله الجديد، وكان يخطط للعودة في عطلة نهاية الأسبوع التالية. لم ترَ حفيدها مجددًا، واستغربت تخلّيه السريع عن الغوص.
في 19 مايو 1957، استلم راتبه، وترك سيارته وأدواته في الورشة، ثم اختفى.
قبل اختفائه، كان أرووسميث متورطًا في خلافٍ عائلي مع زوجته. ومع ذلك، لم تعتقد جدته أنه سيهجر عائلته. ولم تتمكن الشرطة من ربط اختفائه بقضية غيتسيس لي.