في التاسع من نوفمبر عام 2002، اختفى جوش غيموند، الطالب البالغ من العمر 20 عامًا في جامعة سانت جونز بولاية مينيسوتا، فجأة ودون أن يترك أي أثر بعد مغادرته حفلة للعب البوكر. كانت المسافة بين الحفلة وسكنه الجامعي لا تستغرق سوى ثلاث دقائق سيرًا على الأقدام.
كان غيموند معروفًا بتفوقه الأكاديمي، إذ كان طالبًا لامعًا يخطط للالتحاق بكلية الحقوق بجامعة ييل ومتابعة مسيرة في السياسة. في ليلة اختفائه، غادر الحفلة حوالي الساعة 11:45 مساءً، وشوهد لاحقًا وهو يعبر جسرًا في طريقه على ما يبدو إلى سكنه.
ورغم عمليات البحث المكثفة التي شملت الحرم الجامعي والمسطحات المائية المحيطة به، لم يُعثر على أي أثر لغيموند حتى اليوم. ولا تزال قضيته واحدة من أكثر القضايا المحيرة في تاريخ مينيسوتا، حيث تتعدد النظريات بين احتمال تعرضه لاعتداء من قبل أشخاص عبر الإنترنت أو التورط في عملية تستر مقلقة من قبل بعض الأشخاص في الجامعة.
وُلد جوشوا تشيني غيموند في 18 يونيو 1982 بمدينة ريد وود فولز بولاية مينيسوتا. نشأ في مدينة مابل ليك وتخرج من مدرسة مابل ليك الثانوية عام 2000 متصدراً دفعته كرئيس للصف الأول على مستوى المدرسة.
منذ صغره، اتسم غيموند بالطموح والاجتهاد الأكاديمي، إذ حصل على لقب “الأكثر احتمالاً لتحقيق النجاح” في الثانوية، كما صرح برغبته في الترشح لرئاسة الولايات المتحدة يومًا ما.
بعد تخرجه من الثانوية، التحق غيموند بجامعة سانت جونز في مدينة كوليدجفيل بولاية مينيسوتا، وهي جامعة كاثوليكية خاصة صغيرة. تخصص في السياسة والقانون وكان عضواً نشطاً في جمعية ما قبل دراسة القانون بالجامعة، إلى جانب عمله كقائد مشارك لفريق المحاكمة الصورية. كان يخطط لاحقاً للالتحاق بكلية الحقوق بجامعة ييل والترشح لمجلس نواب ولاية مينيسوتا، واضعاً نصب عينيه مستقبلاً سياسياً واعداً.

بحلول نوفمبر 2002، كان غيموند يعيش مع خمسة من زملائه في السكن بجامعة سانت جونز، ومن بينهم صديقه المقرب نيك هايدوكوفيتش، وذلك في مبنى سكن سانت مور داخل الحرم الجامعي. وكان قد أنهى مؤخرًا علاقة طويلة الأمد مع صديقته كاتي بنسون، إلا أنهما ظلا صديقين مقربين.
في مساء التاسع من نوفمبر 2002، دُعي غيموند إلى حفلة في سكن ميتن كورت بالجامعة، والذي يبعد حوالي ثلاث دقائق سيرًا عن مسكنه. تُظهر السجلات أنه استخدم بطاقة الدخول الإلكترونية الخاصة به لدخول شقته عند الساعة 11:06 مساءً قبل خروجه متجهاً إلى الحفلة. ولا توجد أي سجلات تشير إلى أنه استخدم البطاقة لدخول شقته مرة أخرى تلك الليلة أو بعد ذلك.
وبعد أن التقى بمجموعة من أصدقائه، توجه غيموند إلى الحفلة مرتديًا سترة رمادية تحمل شعار سانت جونز وبنطال جينز، ولم يكن يحمل محفظته أو مفاتيحه أو نظارته أو أي من مقتنياته الهامة الأخرى.
اقرأ ايضًا: قضية إختفاء كريستال ريزينجر من شقتها في كولورادو
وأشارت التقارير إلى أن غيموند كان في مزاج جيد أثناء وجوده في الشقة. كما ورد أنه تناول الكحول في وقت سابق من ذلك اليوم وأثناء الحفلة. وتفاوتت أقوال الحاضرين حول مدى تأثير الكحول عليه؛ إذ رأى بعضهم أنه كان يبدو متزنًا بينما ذكر آخرون أنه كان تحت تأثير الكحول. وعلى أية حال، غادر غيموند الحفلة حوالي الساعة 11:45 مساءً دون أن يودع أحدًا. وبعد حوالي ربع ساعة من منتصف الليل، أفاد شاهدان أنهما رأيا شخصًا يحمل أوصافًا مشابهة لغيموند يعبر جسرًا قريبًا من بحيرة ستامبف.
كان ذلك آخر ظهور أُبلغ عنه لجوش غيموند.
اختفاء جوش غيموند من جامعة سانت جونز

عندما لم يعد جوش غيموند إلى الحفلة، افترض أصدقاؤه أنه عاد إلى غرفته في السكن. حاول بعضهم الاتصال به عندما لاحظوا مغادرته، لكنهم لم يتلقوا أي رد. ورغم ذلك، اعتقدوا أنه فضّل العودة إلى المنزل ونام.
لكن عندما لم يحضر غيموند اجتماع فريق المحاكمة الصورية في اليوم التالي، أدرك أصدقاؤه أن هناك خطبًا ما. وعندما علموا أن زميله وصديقه نيك هايدوكوفيتش لم يره في السكن صباح اليوم العاشر من نوفمبر، سارعوا بإبلاغ أمن الجامعة.
أجرى المسؤولون عملية بحث أولية، ووجدوا أن سيارة غيموند لا تزال في الحرم الجامعي دون أن يمسها أحد، كما بقيت مقتنياته الشخصية في غرفته. أظهر حسابه على خدمة المراسلة الفورية أنه لم يسجل الدخول منذ حوالي 12 ساعة. وكان التلفاز في غرفته لا يزال يعمل بشكل غريب.
في ليلة العاشر من نوفمبر، اتصلت السلطات بوالديه لتبلغهما بأن ابنهما مفقود، وذلك بعد مرور نحو 24 ساعة على آخر ظهور له.
تولت شرطة مقاطعة ستيرنز التحقيق وبدأت بعملية بحث واسعة شملت حرم جامعة سانت جونز. شارك في البحث مسؤولون ومتطوعون وحتى الحرس الوطني.
كان أحد التفسيرات المبكرة لاختفاء جوش غيموند هو احتمال سقوطه من الجسر إلى بحيرة ستامبف أثناء عودته إلى السكن بعد الحفلة، خاصة إذا كان تحت تأثير الكحول، وربما توفي نتيجة التعرض للبرد أو الغرق، لكن عمليات البحث المكثفة في البحيرة لم تسفر عن أي نتيجة.

انتشرت كذلك شائعات حول احتمال إقدام غيموند على إنهاء حياته. ومع ذلك، لم تظهر عليه أي علامات على الضيق النفسي رغم انفصاله الأخير، ولم يسبق له أن تحدث عن الانتحار أو الهروب من حياته. ووفقًا لأصدقائه، كان يبدو سعيدًا ويتصرف بشكل طبيعي في ليلة اختفائه.
كما انتشرت شائعة أخرى تفيد بحدوث خلاف بين غيموند وزميله نيك هايدوكوفيتش بسبب صديقة غيموند السابقة كاتي بنسون، وأن ذلك أدى بطريقة ما إلى اختفائه. فبعد الانفصال، بدأ هايدوكوفيتش وبنسون يفكران في إقامة علاقة لم تتجاوز القبلات، الأمر الذي أغضب غيموند. وأفاد بعض الطلاب بأنهم سمعوا مشادة بين غيموند وهايدوكوفيتش في الليلة التي سبقت اختفاء غيموند.
في الليلة التي اختفى فيها غيموند، ذكرت بنسون أنها كانت بصحبة هايدوكوفيتش، بما في ذلك الفترة التي اختفى فيها غيموند. وأظهرت بيانات بطاقة الدخول الإلكترونية لهايدوكوفيتش أنه عاد إلى سكنه في حوالي الساعة 2:42 صباحًا، أي بعد ساعات من آخر ظهور لغيموند.
كان هايدوكوفيتش متعاونًا نسبيًا مع السلطات، وأنكر أي علاقة له باختفاء غيموند. ومع ذلك، زعم أنه ودّع بنسون في الساعة 2:30 صباحًا، بينما قالت بنسون إنهما افترقا حوالي الساعة 1 أو 1:30 صباحًا، مما يعني وجود فترة زمنية غير محسوبة بدقة. كما رفض هايدوكوفيتش إجراء اختبار كشف الكذب.
في هذه الأثناء، استمرت التحقيقات دون أي أدلة قاطعة إلى أن قررت السلطات فحص جهاز الكمبيوتر الخاص بغيموند بشكل أدق.
نظريات حول رجال مشبوهين في الحرم الجامعي

بعد اختفاء جوش غيموند، لم تقم السلطات بإغلاق غرفته على الفور. ولاحقًا اكتشف المحققون أن شخصًا ما قام بحذف بعض الملفات من القرص الصلب لجهاز الكمبيوتر الخاص بغيموند بعد فترة وجيزة من اختفائه. ورغم أن بعض الأشخاص اشتبهوا في أن هايدوكوفيتش هو من قام بذلك، إلا أن أي شخص كان لديه إمكانية دخول الشقة أو ضيوفهم ربما كان قادرًا على ذلك أيضًا.
وفي عام 2008، تمكنت السلطات أخيرًا من استرجاع بيانات من سجل متصفح الإنترنت الخاص بغيموند، لتكتشف معلومات مثيرة للقلق. فقد تبين أن غيموند كان مهتمًا بتزوير بطاقات الهوية، كما أنشأ عدة حسابات على موقع المواعدة “ياهو بيرسونالز”.
ويبدو أنه كان يستخدم هذه الحسابات للتواصل مع رجال ونساء في غرف الدردشة المختلفة. وفي اثنين على الأقل من هذه الحسابات، قدّم نفسه كامرأة. وقد أدى ذلك إلى ظهور نظريات حول أنه كان يكتشف توجهه الجنسي وربما هويته الجندرية سرًا في فترة اختفائه. كما أثار هذا احتمال أنه رتب لقاءً مع شخص تعرف عليه عبر موقع “ياهو بيرسونالز” للمواعدة في الواقع.

في عام 2022، نشرت السلطات صورًا من بعض الملفات الشخصية التي تواصل معها غيموند بلغ عددهم 28 رجلاً على أمل معرفة ما إذا كان أحدهم قد التقى به. ومنذ ذلك الحين، ظهرت تكهنات بأن شخصًا عبر الإنترنت قد يكون له علاقة باختفاء غيموند.
قال معظم أفراد عائلة غيموند وأصدقائه إنهم لم يظنوا يومًا أنه مثلي أو متحول جنسيًا. لكن أحد أصدقائه الذكور أفاد بأن غيموند حاول تقبيله ذات مرة.
وأشار المحققون أيضًا إلى ورود تقارير حول رجل مشبوه كان يقود سيارة من نوع بونتياك صنفاير برتقالية اللون في الحرم الجامعي في الفترة نفسها تقريبًا لاختفاء غيموند. شوهد هذا الرجل في أماكن مختلفة معروفة للقاءات غير الرسمية، وأفاد الشهود بأنه كان يوصل رجالًا آخرين. تم تحديد هوية هذا السائق الغامض لاحقًا، إلا أنه أنكر أي علاقة له بقضية غيموند. والأكثر إثارة للقلق، أنه قام بتدمير السيارة قبل أن يتمكن المحققون من تفتيشها بشكل مناسب.
وقعت أيضًا حالات اختفاء غامضة أخرى في مينيسوتا في نفس الفترة تقريبًا. فقد اختفى طالب جامعة مينيسوتا كريس جينكينز بعد حضوره حفلة في عيد الهالوين عام 2002، ثم عُثر على جثته لاحقًا في نهر المسيسيبي.
لذا، ليس من المستغرب أن يعتقد العديد من المحققين أن جوش غيموند ربما كان ضحية لجريمة، خاصةً بالنظر إلى حساباته على مواقع المواعدة والشخص الغامض الذي شوهد في الحرم الجامعي وقت اختفائه. ومع ذلك، هناك نظريات أخرى أيضًا.
في المراحل الأولى من التحقيق، استعانت فرق البحث بكلاب بوليسية لتتبع رائحة جوش غيموند. وقد قاد أحد الكلاب البوليسية الخاصة التي استقدمتها عائلة غيموند الفريق إلى دير سانت جونز البينديكتي الواقع داخل الحرم الجامعي.

مع ذلك، رفض موظفو الدير في البداية السماح لهم بالدخول، مشيرين إلى أن بعض مناطق الدير ليست مفتوحة للعامة. لاحقًا، سُمح للكلب البوليسي بالبحث، لكنه التقط رائحة غيموند فقط بالقرب من الجزء الخلفي للمبنى، ولم يُعثر على أي دليل آخر مريب.
علمت السلطات أن غيموند كان يُجري أبحاثًا حول ادعاءات إساءة معاملة صدرت بحق رهبان وكهنة وموظفين آخرين في جامعة سانت جونز. فمنذ ستينيات القرن الماضي، أبلغ الطلاب عن سلوكيات مقلقة من بعض العاملين بالحرم الجامعي. ففي عام 1971، ادعى طالب يُدعى جيري مكارثي أنه تعرض للإساءة على يد الأب بروس وولمرينغ الذي كان من المفترض أن يقدم له الاستشارات في دير سانت جونز.
قال جيري مكارثي في عام 2011، بحسب ما نقلته “MPR News”: “ربما كان ذلك خلال الزيارة الثالثة لي مع الأب وولمرينغ لهذا الغرض من الاستشارة والاختبار عندما هاجمني فعليًا في مكتبه”.
وفي عام 2016، نشر دير سانت جونز ملفات تخص 18 راهبًا أُقرّ بتورطهم بشكل موثوق في إساءة معاملة قُصّر جنسيًا. ومع ذلك، فقد وُجهت الاتهامات إلى نحو 100 شخص في منطقة كوليدجفيل، ما يعني أن حجم هذه الجرائم قد يكون أكبر بكثير. والأكثر إثارة للقلق أن بعض الرهبان الذين وُجهت إليهم الاتهامات كانوا لا يزالون في الحرم الجامعي عند اختفاء غيموند بل وكانوا يشرفون على سكنه الجامعي.
وقد أدى اطلاعه على ادعاءات الاعتداء الجنسي إلى اشمئزاز غيموند، وربما دفعه ذلك إلى كتابة بحث حول هذه الجرائم المزعومة. ففي الثالث من أكتوبر 2002، بحث هو أو شخص آخر استخدم جهازه عن عبارة “Saint John’s Abbey statute of limitations conspiracy”.
لم يتم العثور على أي دليل قاطع يربط اختفاء غيموند بموظفي الجامعة، ولم تحقق القضية تقدمًا يُذكر في السنوات الأخيرة. وفي عام 2021، رفع والد غيموند دعوى قضائية ضد مقاطعة ستيرنز للحصول على ملف القضية، لكنه خسر بعد أن جادلت السلطات بأن الإفراج عن الملفات قد يضر بالتحقيق.
وفي عام 2022، تم عرض قصة غيموند في برنامج “ألغاز لم تُحل” على شبكة نتفليكس، مما أعاد اهتمام الجمهور بالقضية. ولكن بعد مرور سنوات، لا تزال ملابسات اختفائه غامضة كما كانت يوم اختفائه.