روز دوغديل: من وريثة إلى حياة مليئة بالتمرد والفوضى

في عام 1958، كانت روز دوغديل، البالغة 17 عامًا، ضمن الشابات السعيدات الحظ اللواتي ظهرن أمام الملكة إليزابيث الثانية خلال أبرز فعاليات موسم العرائس المستقبليات الاجتماعي الصيفي. كانت تلك المرة الأخيرة التي تُقدَّم فيها بنات الأسر الرفيعة في البلاد اللواتي بلغن سن الرشد للإنضمام للمجتمع والتعرف على الأفراد الأخرين من ضمن الطبقة الإجتماعية المخملية، تمتد تقاليد المهرجان لما يقرب من مئتي عام. وقد قالت الأميرة مارغريت لاحقًا بنبرة متعالية: “اضطررنا لإيقاف ذلك. كل عاهرة في لندن كانت تتسلل إلى المناسبة”.

بالنسبة لدوغديل المستقلة بشدة، كان المثول أمام الملكة وسيلة لتحقيق هدف. وافقت على المشاركة بشرط أن يسمح لها والدَاها بالالتحاق بكلية سانت آنز للنساء في أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وبعد ستة عقود، وصفت موسم العرائس بأنه “سوق زواج بغيض تُقدم فيه كسلعة”. بحلول ذلك الوقت، كانت قد ابتعدت مسافة شاسعة عن نشأتها النخبوية في ريف ديفون ولندن؛ وقد لخّص عنوان سيرة حديثة عنها المسار الاستثنائي والمتقلّب لحياتها: “وريثة، متمرّدة، مقاتلة، إنتحارية”.

ألّف الكاتب الصحفي الإيرلندي شون أودريسكول، ويعرض فيه المسار غير المتوقع لدوغديل من فتاة خجولة إلى متطوعة ملتزمة في الجيش الجمهوري الإيرلندي، حيث جعلت مغامراتها الطائشة وتمسّكها بالعنف الجمهوري عناوين الصحف العالمية. ففي يناير 1974، شاركت في عملية خطف مسلّحة لمروحية أُلقيت منها أوعية لبن مملوءة بالمتفجرات على قاعدة للشرطة الملكية الأيرلندية في أيرلندا الشمالية. وبعد بضعة أشهر، خططت وقادت عملية سطو فني جريئة في مقاطعة ويكلو، سُرق خلالها 19 عملًا، من بينها لوحات لروبنز وغويا وفيرمير، واحتُجزت كرهائن للمطالبة بإطلاق سراح سجناء الجيش الجمهوري.

لفترة من الزمن، أصبحت دَغديل المطلوبة الأولى في بريطانيا وأيرلندا ومثار ذهول الصحف الشعبية. وبعد توقيفها، خضعت للمحاكمة وحُكم عليها بالسجن تسع سنوات، بعدما أعلنت نفسها “مذنبة بفخر وبلا فساد” بجرائم ضد الدولة. وفي قفص الاتهام، وصفت بريطانيا بأنها “العدو القذر”، ورفعت قبضتها بتحية للقاعة العامة.

دوغديل

خلافًا للروايات الأخرى التي تناولت مغامراتها عبر السنين، يقدّم كتاب أودريسكول إضافة نوعية بكشفه، بتفاصيل لافتة، دور دوغديل بعد خروجها من السجن كخبيرة تصنيع متفجرات لصالح الجيش الجمهوري الإيرلندي. ويُظهر كيف أنها، منذ منتصف الثمانينيات وحتى أوائل الألفية الجديدة، وبالاشتراك مع شريكها ومعاونها جيم موناغان، طوّرت عددًا من الأجهزة القاتلة المصنّعة منزليًا، ومنها ما عُرف بـ”قاذف البسكويت” سيئ الصيت.

هذا السلاح، المؤلف من أدوات منزلية وأجزاء من معدات زراعية، استخدم علب بسكويت دايجستيف لامتصاص الارتداد عند إطلاق مقذوف محشو بمادة السيمتكس المتفجرة. وقد استُخدم الجهاز من قبل الجيش الجمهوري في ريف جنوب أرماغ وفي شوارع غرب بلفاست.

كما ابتكر الاثنان مادة متفجرة شديدة الفتك تم تفجيرها خارج ثكنات غلينان المحصّنة في مايو 1991، ما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة 11 آخرين بجروح خطيرة. وفي العام التالي، استُخدمت المادة نفسها في عبوة ناسفة دمّرت مبنى بالتك إكستشينج والمباني المحيطة في مدينة لندن، متسببة بمقتل ثلاثة أشخاص وخسائر قُدّرت بنحو 800 مليون جنيه إسترليني. وكما يرى أودريسكول: “روز دوغديل لم تقتل أحدًا بشكل مباشر، لكنها كانت مسؤولة بشكل غير مباشر عن وفاة عدد كبير من الناس”.

دوغديل مع والدتها

أجرى أودريسكول، ضمن بحثه، عدة مقابلات مع دوغديل المُسنة في دار رعاية بدبلن التي كانت تقيم فيه، تديره جماعة “الخادمات الفقيرات لأم الله”، وهي واحدة من قلة من النزيلات غير الراهبات المتقاعدات. ويعيد الكتاب تركيب تفاصيل حياتها اعتمادًا على حديثه مع عدد من شركائها وابنها رويري، الذي أنجبته أثناء قضائها حكمًا في سجن ليمريك. ومع ذلك، لا يقدم الكتاب تفسيرًا كاملاً لسبب انخراط شخصية على درجة عالية من التميز الإجتماعي والذكاء الحاد إلى عالم من الفوضى.

يقول أودريسكول: “أظن أن جزءًا من الأمر مرتبط بالحقبة التي نضجت فيها سياسيًا. من الصعب فصل مواقفها عن أفعال جماعات ثورية أخرى نشطت في أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات، لكن هناك أيضًا السؤال الأهم: لماذا شعرت بأنها مضطرة للذهاب إلى هذا المدى لتثبت راديكاليتها؟ ربما يكمن الجواب في بنيتها النفسية الشخصية، وهو ميدان أشد تعقيدًا للاستقصاء”.

الفيلم الروائي بعنوان “بالتيمور” — في إشارة إلى قرية في مقاطعة كورك لا إلى المدينة الأميركية — يشكّل محاولة مثيرة للاهتمام لرسم ملامح نفسية لروز دوغديل. يتركّز أساسًا على دورها في غارة الجيش الجمهوري الإيرلندي على بيت رسبره في مقاطعة ويكلو عام 1974، حيث تم تقييد وسدّ أفواه السير ألفريد بيت وزوجته إلى جانب الخدم، فيما أُزيلت لوحات الأساتذة التسعة عشر من إطاراتها المزخرفة ونُقلت إلى منزل آمن تابع للجيش الجمهوري في غرب كورك.

تؤدي إيموجين بوتس دور دوغديل كمناضلة حازمة بلا رحمة لكنها مطاردة بأشباح داخلية، ميّالة إلى الهواجس والكوابيس؛ غير أن إيقاع الفيلم البطيء يعجز عن التقاط نزعتها الجامحة واندفاعها، مفضّلًا الجو العام والإيحاء على أي تعمّق في دوافعها السياسية.

تقول كريستين مولوي، التي شاركت في إخراج الفيلم مع شريكها جو لولور: “لطالما شغلتنا العوالم الداخلية لشخصياتنا أكثر من أي شيء آخر. انجذبنا إلى روز دوغديل لأننا كنا نؤمن بقوة بأنها كانت مفكرة، وكانت كذلك شخصًا يسعى إلى تغيير هويته، ليصبح نسخة أخرى من ذاته”.

يركّز الجزء الأخير من الفيلم على الأيام العشرة التي قضتها دوغديل مع اللوحات المسروقة في كوخ بمنطقة نائية من غرب كورك قبل اعتقالها. وحيدة، حامل وربما في موضع هشاشة، يلمّح صنّاع الفيلم إلى أن تلك كانت لحظة نادرة للتأمّل في امرأة اتسمت حياتها بالتهور والمغامرة.

تقول مولوي: “على امتداد فترة ليست بالقليلة، لا بد أنها كانت وحيدة مع أفكارها. ما شرعت في فعله على المستوى الشخصي، بعيدًا عن وقائع سرقة الأعمال الفنية نفسها ومطالب الفدية — كانت أفعالها سلسلة خطوات قطعت بها صلتها نهائيًا بماضيها: أسرتها، بيتها، وموطنها حيث ولدت”.

ومع ذلك، لا تظهر أي دلائل سواء في مقابلاتها اللاحقة أو في استمرار التزامها بالقضية على أن دوغديل شعرت بالأسف أو بالتوبة على أي نحو. وليس من المستغرب أن يواجه الفيلم انتقادات من أولئك الذين يرون أن أي رسم لشخصية إرهابية، خصوصًا حين تنتمي إلى خلفية إنجليزية مرموقة، يتجاوز المقبول. فقد تساءلت مقالة حديثة في صحيفة ميل أون صنداي: “لماذا يروّج فيلم جديد لتلك الشابة من طبقة عليا القادمة من ديفون التي خطفت مروحية لإسقاط قنابل الجيش الجمهوري على قاعدة عسكرية؟” وفي المادة نفسها، وصف ناقد الأفلام في الديلي ميل فيلم “بالتيمور” بأنه “فيلم خطير… لا يُجمّل صورة دوغديل تمامًا لكنه يسعى لجعلها شخصية يحبها المشاهد ويتعاطف معها”.

أما بالنسبة لي، فالمشكلة أن السرد الإبداعي الطاغي للفيلم، في محاولته إبراز تعقيدها، يربك أكثر مما يوضح، فيما تظل الأسئلة الأخلاقية الكبرى حول الأرواح التي هُدرت لتمسّكها الثابت بالعنف معلّقة بلا إجابات.

وُلدت بريدجيت روز دوغديل في مارس 1941 في «يارتي»، ضيعة والدها الممتدة على 600 فدان في ديفون. تنقّلت الأسرة بين ديفون ولندن، حيث امتلكوا أيضًا منزلًا واسعًا في تشيلسي. كان والدها، العقيد إريك دوغديل، مكتتب تأمين في لويدز أوف لندن، بينما التحقت والدتها كارول بمدرسة سلايد للفنون وكانت صديقة مقرّبة للروائية ريبيكا ويست.

ومن اللافت أن كارول دوغديل تزوّجت أولًا جون موزلي، سمسار البورصة وشقيق أوزوالد موزلي الأصغر، زعيم الفاشيين البريطانيين سيّئ السمعة. وعندما سُئلت روز عن طفولتها في مقابلة ضمن السلسلة التلفزيونية الأيرلندية «نساء من الجيش الجمهوري الأيرلندي»، وصفت والديها بأنهما “بالغا الاهتمام”، وطفولتها بأنها “رائعة… مليئة بالخيول والرياضة وصيد السمك والرماية وكل تلك الأشياء”.

غير أن الصحفية فيرجينيا آيرونسايد قدّمت في مقال حديث بمجلة Oldie صورة مغايرة؛ إذ إنها التحقت بالمدرسة نفسها مع دوغديل في كنسينغتون — حيث كان يدرّسهن، كما تتذكر، “شخصيات غريبة بلا تدريب رسمي” — وتصف نشأة صديقتها السابقة بأنها غارقة في “رتابة تقليدية خانقة”. وتسترجع كيف أن روز وشقيقتها الكبرى كارولين، بإلحاح من والدتهما، كانتا ترتديان ملابس رسمية وقفازات بيضاء طويلة على العشاء كل مساء، و”تؤدّيان الانحناءة لكل زائر لمنزلهما”.

وتتذكر آيرونسايد روز في صباها بأنها “قليلة الرشاقة وذات مظهر ذكوري بعض الشيء — فتاة ضخمة بصوت عميق”، لم تكن “جميلة وفق المعايير المألوفة، لكنها كانت تشعّ طاقة وإيجابية وذكاء وسخاء، ونعم، حتى اللطف، ما جعلها جذّابة على الفور”. وتقرّ بأنها كانت تكنّ لها “إعجابًا”، شأنها شأن كثير من الطالبات.

لقطة من الفيلم

في أكسفورد، ارتبطت دوغديل بعلاقة عاطفية قوية مع بيتر آدي، وكانت قد ارتبطت من قبل مع إيريس موردوخ، المُدرِّسة في قسم السياسة بالكلية. وبعد سنوات، حين كانت دوغديل تقضي عقوبتها في سجن ليمريك، كتبت موردوخ — وقد باتت في تلك المرحلة فيلسوفة وروائية مرموقة — إلى السفير الأيرلندي طالبة السماح لتلميذتها السابقة “بتلقّي كتب جادة وذات قيمة علمية”، لأن “رغبتها في الدراسة مكبوتة، وهو عقاب إضافي فادح لشخص يمتلك مهارات ذهنية عالية “.

وفي أكسفورد أيضًا تبنّت دوغديل السياسة اليسارية ولفتت الأنظار لأول مرة. ففي عام 1961، تنكّرت مع زميلتها جيني غروف في هيئة رجلين لحضور مناظرة اتحاد أكسفورد المحصورة للرجال، وتعمّدتا مقاطعة المتحدثين بهتافات ساخرة وبأصوات عميقة ذكورية. وقد تصدّر تدخّلهما الصحف، لا سيما أنهما نسّقتا مسبقًا مع صحفي ومصوّر محليين لكشف خطتهما، ونشرت ديلي إكسبريس القصة بعنوان: “طالبتان متنكرّتان تقتحمان حصنًا مخصصًا للرجال فقط”.

بعد التخرّج، نالت دوغديل درجة الماجستير في الفلسفة بالولايات المتحدة ثم الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة لندن، قبل أن تنخرط سياسيًا خلال احتجاجات عام 1968 العالمية المضطربة.

بحلول عام 1971، وعمرها 30 عامًا، قررت بيع منزلها في تشيلسي والتخلّي عن ثروتها الموروثة التي يقدّرها أودريسكول بأنها “تتجاوز اليوم مليون جنيه إسترليني بكثير” — لصالح فقراء لندن ومحتاجيها. ولتحقيق ذلك، استأجرت مبنى في توتنهام وأنشأت اتحادًا للمحتاجين، يقدّم المشورة والمساعدات المالية. وقالت لأودريسكول: “كانت هناك كثير من العائلات المهاجرة تتدفّق إلى المنطقة. لا يسعني المبالغة في عدد من كانوا يبحثون عن الدعم”.

على امتداد حياتها، انجذبت دوغديل إلى رجال خارجين عن المألوف ممن يطمحون إلى الثورية، مثل إدي غالاغر — العضو المتمرّد في الجيش الجمهوري الذي شارك في خطف المروحية وسرقة اللوحات — ولاحقًا جيم موناغان، شريكها في تصنيع القنابل. وكان أولهم والي هيتون، الذي قدّم نفسه كـ”اشتراكي ثوري” ويعاني من مشكلة مع الشراب، وقد أصيب بصدمة نفسية من الوحشية التي شهدها أثناء خدمته مع حرس كولدستريم في مالايا.

عندما ظهر في مكتب اتحاد المطالبين في توتنهام داعيًا إلى ثورة عنيفة، بدأت العلاقة بينهما، وسرعان ما بتحريض منه تحوّل اهتمامها إلى صراع أيرلندا الشمالية. وفي يناير 1972، بثّت الأخبار التلفزيونية مشاهد صادمة من ديري في ما عُرف لاحقًا بـالأحد الدامي، حين قتل أفراد من فوج المظلات 13 متظاهرًا أعزل. عندها حدث تحول في وعي دوغديل السياسي.

يرى كل من أودريسكول وصنّاع فيلم “بالتيمور” أن الأحد الدامي كان اللحظة الحاسمة في انتقال دوغديل من ناشطة يسارية إلى ثورية عنيفة. ويصف لولور تلك الواقعة بأنها “نقطة تحوّل — لحظة محددة في تطرّفها، لحظة بلورت كثيرًا من أفكارها”. ويبدو أن كل ما تلا ذلك في مسيرة دوغديل الجامحة والقاسية انبثق من غضبها وسخطها على ذلك الحدث المفزع الوحيد.

في يونيو 1973، وبإيعاز من هيتون، دخلت دوغديل مع ثلاثة آخرين منزل أسرتها في ديفون أثناء غياب والديها، وسرقوا لوحات قيّمة وتحفًا وأنتيكات وأواني فضية. ولسبب ما، رأت دوغديل أنه من المناسب إخفاء المسروقات في منزل حبيبتها السابقة بيتر آدي في أكسفورد، التي سارعت بإبلاغ والدي دوغديل.

وخلال المحاكمة اللاحقة، أعلنت دوغديل على نحو مسرحي حبّها لوالدها، لكنها قالت له: “أنا أكره كل ما تُجسّداه.” وحُكم عليها بعقوبة سجن لعامين مع وقف التنفيذ، فيما نال هيتون، الذي لم يشارك مباشرة في السطو، حكمًا بالسجن ست سنوات.

وفي أواخر العام ذاته، تعرّفت إلى إدي غالاغر، المتطوّع شديد الاندفاع في الجيش الجمهوري الإيرلندي، الذي كان يعمل بشكل مستقل نسبيًا عن القيادة المركزية، ووقعت في حبه. وتعزّز التزامها بالجمهورية الأيرلندية بشكل كبير، وفي يناير 1974 نفّذت مع عضو آخر من الجيش الجمهوري عملية خطف مروحية جريئة في مقاطعة دونيغال، وأجبرا الطيار المدني على نقل حمولتهما القاتلة عبر الحدود إلى سترابان.

وانتهت مهمة القصف الجوي بالفوضى؛ إذ أُلقي أحد أوعية المتفجرات في نهر قريب، بينما لم ينفجر الآخر في محيط الثكنات. وفي أعقاب الهجوم، ظهرت في أنحاء أيرلندا الشمالية ملصقات مطلوبة لدوغديل بابتسامة عريضة، وجاء في وصفها: “غالبًا ما ترتدي بنطالًا وسترات من الشامواه بمظهر متّسخ وغير مُهندم.”

في أبريل 1974، قاد الثنائي عملية السطو على بيت رسبره بنجاح، لكن بعد مطاردة وطنية واسعة النطاق، أُلقي القبض على دوغديل في كوخ بغرب كورك، وعُثر على اللوحات التسع عشرة جميعها في مؤخرة سيارتها. وكانت قد هدّدت في وقت ما بإحراقها إذا لم تُلبَّ مطالب العصابة بإطلاق سراح سجناء الجيش الجمهوري الإيرلندي، وبخاصة الشقيقتين برايس. في ذلك الوقت، كانت دولورِس وماريان برايس — المُدانَتان بتفجيرات للجيش الجمهوري في إنجلترا — مضربتين عن الطعام في سجن بريكستون.

وقد ادى تهديد دوغديل الاستعراضي بحرق اللوحات بيانٌ علني من والد الشقيقتين، ألبرت، ناشدها فيه الا تُتلف اللوحات لأن ذلك سيكون خطيئة.

حتى وهي في السجن وحاملًا من غالاغر، ظلّت دوغديل مصدر إزعاج للأمن الأيرلندي. ففي 3 أكتوبر 1975، عادت إلى العناوين عندما خطف غالاغر ومتطوعة أخرى من الجيش الجمهوري، ماريون كويل، الصناعي الهولندي تيد هيريما من منزله في ليمريك، وأصدروا بيانًا يطالب بإطلاق سراح دوغديل مقابل سلامة الرهينة.

أدّى هذا الخطف إلى احتجاجات شعبية عفوية، وتعرّض لتنديد واسع حتى من الجيش الجمهوري نفسه الذي أعلن عدم صلته به. وسرعان ما كُشف موقع الخاطفين وضحيتهم في منزل بقرية في مقاطعة كيلدير، لتبدأ محاصرة استمرت ثلاثة أسابيع. وخلالها، تفاوض مفاوضون مُدرَّبون مع غالاغر وكويل عبر نافذة في الطابق العلوي، فيما تمركز القناصة على الأسطح المحيطة، وبينما قام سكّان القرية بتأجير غرفهم الفائضة وأرائكهم لجحافل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية التي تدفّقت على المكان.

أطلِق سراح هيريما في النهاية دون أن يتعرض لأذى، فيما حُكم على غالاغر بالسجن 20 سنة في بورتليش، وقضت كويل عقوبتها في سجن ليمريك، حيث أصبحت صديقة لدوغديل. قالت دوغديل لأودريسكول بعد سنوات: “أثبتت ماريون جدارتها. كانت متطوّعة مذهلة”، وتابعت: “كنتُ أتطلع إلى رؤيتها، بعد شهور طويلة من رؤيتها فقط على التلفاز.

وعقب الإفراج عنها، كرّست دوغديل نفسها لحملة قادتها منظمة مثيرة للجدل تُسمّى “أولياء أمور قلقون ضد المخدرات”، هدفها التصدي مباشرة لمشكلة الهيروين المتفاقمة في وسط دبلن مطلع الثمانينيات.

وكثيرًا ما استخدموا أعضاء من الجيش الجمهوري كقوّة تنفيذ، فكانوا يسيرون إلى منازل تجّار المخدرات المعروفين ويجبرونهم على المغادرة. وفي كتاب أودريسكول، تروي امرأة كانت ترعى ابن دوغديل أنها شاهدتها تتحدث في مسيرة مناهضة للمخدرات وفكّرت: “الحمد لله أنني لستُ تاجرة مخدرات ولا متعاطية، إذ إن التعامل مع تلك المرأة مخيف؛ كانت تُلقي الرعب في القلوب بطريقة حديثها عن تجّار المخدرات وضرورة طردهم جميعًا”.

ما هو رأيك؟

Warning