تنتشر العديد من الروايات عن كائنات تشبه مصاصي الدماء عبر ثقافات العالم منذ آلاف السنين، بدءًا من اسطورة المراة لاميا في اليونان القديمة وصولًا إلى الجثث العائدة من الموت في إنجلترا في العصور الوسطى. إلى قصة فلاد دراكولا التي تناولنا الحديث عنها في مقال سابق في موقع تحقيق ومع ذلك، فإن الصورة المعاصرة لمصاص الدماء تستند بصورة أساسية إلى تراث أوروبا الشرقية الشعبي، وقد صاغها وشيعها كتّاب القرن التاسع عشر مثل جون بوليدوري وبرام ستوكر في قصته الشهيرة دراكولا.
لكن هل وُجد مصاصو دماء بالفعل؟ فلنرفع أغطية التوابيت، ونهيم في الليل، ونواجه هذه الحكاية الدامية؛ إذ إن الأسماء الستة التالية اتُّهم أصحابها بأنهم مصاصو دماء “حقيقيون”.
إسكافي برسلاو (1591)

قد يبدو الأمر محض هراء، لكنه يُساق كحادثة وقعت فعلًا في فروتسواف الحالية، بولندا.
في سبتمبر 1591، أقدم إسكافي ثري يُدعى فاينريخيوس على قطع عنقه. دُفن في اليوم التالي، ولم يلبث أن شوهد شبحه يتجوّل في أرجاء البلدة. كما رُوي أنه كان يندسّ ليلًا في أسِرّة الناس ويقبض على أذرعهم وسيقانهم بقوة، تاركًا كدمات على أجسادهم تُحاكي آثار أصابع.
وبعد نحو سبعة أشهر، ومع اقتناع الأهالي بأنهم أمام مصاص دماء، نُبش قبر فاينريخيوس، فوجدوا الجثة تبدو طازجة وسليمة، والجلد مشدودًا “كطبلة”. كما لوحظت شامة وردية الشكل في قدمه، اشتبهوا بأنها علامة ساحرة. ثم أُخرج الجثمان ودُفن ثانيةً.
لكن فاينريخيوس “غير الميت” استمر في إرهاب البلدة؛ فأُخرج الجسد مرة أخرى وقُطّع. وذكر الذين قاموا بالتقطيع أن قلبه بدا “بحالة جيدة كقلب عجل ذُبح للتو”. بعد ذلك أُحرقت الأجزاء جميعًا، ونُثر الرماد في النهر.
متسلّل بنتش (1592)

بعد عام واحد فقط وفي بلدة قريبة من برسلاو، ظهر مصاص دماء جديد. فقد أُصيب الرجل البارز يوهانس كونتيز إصابة شديدة جرّاء ركلة من حصان في موضع حساس (وربما في الرأس أيضًا). أعقب ذلك علامات هذيان أثارت أقاويل بأنه على صلة بالشيطان. وأثناء احتضاره، اقتحمت قطة سوداء الغرفة وانقضّت عليه، وخدشت وجهه بعنف.
وسرعان ما راج الحديث بعد دفنه عن عودته من الموت وإحداثه الفوضى. كانت آثار الحوافر تظهر على الثلج عقب مشاهدته، واتُّهم بالاعتداء جنسيًا على امرأة وبمضايقة كاهن البلدة من خلال “خنقه” وهو في سريره.
في يوليو 1592، وبعد خمسة أشهر من رعب كونتيز “الميّت الحي”، نبش الأهالي قبره. لم تكن الجثة قد تحلّلت، وعند شقّ ساقه بسكين سال دم طازج. ثم أُخرج الجسد وقُطّع وأُحرق.
الفلّاح مصاص الدماء (1725)

في عام 1725، دُفن فلّاح من قرية كيسيليفو بشرق صربيا يُدعى بيتر بلاغويفيتش في مقبرة الكنيسة وفق الطقوس الكاثوليكية المعتادة. خلال تسعة أيام من دفنه، مات تسعة من أهل القرية كانوا أصحّاء قبل ذلك، صغارًا وكبارًا، وقد ظهرت عليهم أعراض “إرهاق عصبي”. وأكد كل واحد منهم على فراش الموت أن بيتر بلاغويفيتش هو سبب وفاتهم، قائلين إنه دخل غرفهم ليلًا مصاصًا للدماء، جلس فوقهم، ثم “امتصّ منهم قوّتهم”. وقيل أيضًا إنه قصد بيت أسرته بعد موته وقتل ابنه بشرب دمه.
وعند فتح قبره بحضور أهل القرية جميعًا، تبيّن أن شعره وأظافره ولحيته قد نمت، وظهر “دم طازج” في فمه. ثم أُخرج الجثمان وغُرس وتد خشبي حاد في جسده، فاندفع الدم من فمه وأنفه.
وحش ميدفيجه (1726–1732)

عاد الجندي الصربي الشاب أرنولد باوله نحو عام 1725 إلى قريته ميدفيجه بعد خدمته في اليونان. قال لخطيبته إنه تعرّض هناك لهجوم من مصاص دماء، لكنه لم يبدِ خوفًا من تحوّله، لأنه—بحسب قوله—عثر على قبر المهاجم وأحرقه. بعد وقت قصير، وأثناء صعوده إلى عربة تبن، انزلقت قدمه فانكسر عنقه، وتوفي بعد أيام.
لم يطل الزمن بعد دفنه حتى أفاد القرويون برؤيته يجوب ليلًا، وأفاد بعضهم بأحلام زارهم فيها فوق أسِرّتهم، ليستيقظوا في اليوم التالي وقد اعتراهم إنهاك غريب. بعد بضعة أسابيع، ظهرت وفيات غامضة عدة في القرية، وكان بعض الضحايا ممن قالوا إنهم حلموا بزيارة باوله. فُتح قبره وغُطي جسده بالثوم ودُقّ وتد في قلبه. وبعد ست سنوات، وقعت في القرية موجة وُصفت بأنها “وباء” لمصّاصي الدماء؛ إذ نُبشت 14 جثة من المقبرة وفُحصت بتقرير طبي موقّع من أطباء وضباط نمساويين، واعتُبرت 12 منها “على نحو لا يُشتبه فيه في حالة مصّاص الدماء”.
عروس دراكولا (1913–1993)
في بيسكو، البيرو، في وقت متأخر من ليلة 8 يونيو/حزيران 1993، وقف ألف شخص تقريبًا بعضهم متوتر وبعضهم متحمّس قرب قبر سارة إيلين روبرتس، المرأة التي أطلقت عليها الصحافة لقب “عروس دراكولا”.

تروي الأسطورة أن سارة، المولودة في بلاكبيرن عام 1872، اتُّهمت بالقتل والسحر وأُشيع أنها مصاصة دماء. في 9 يونيو/حزيران 1913، عوقبت بحسب الحكاية بتقييدها وتسميرها داخل تابوت مبطّن بالرصاص وتركها لتموت. ولما رُفض دفنها في إنجلترا، يُقال إن زوجها أمضى أربع سنوات يجوب البلدان حتى وجد لها مدفنًا في البيرو. وتزعم الرواية أنها توعّدت قبل إغلاق تابوتها بأنها ستعود بعد 80 عامًا لتنتقم. وعند منتصف ليلة 9 يونيو/حزيران 1993 في بيسكو، خاب جمع المنتظرين؛ إذ لم تنهض “مصاصة دماء بلاكبيرن”، بينما أعلن المعالجون الشعبيون انتصارهم بعد رش قبرها بالماء المقدس.
مصاص دماء كوفنتري ستريت (1922)

نحو السادسة صباح الأحد 16 أبريل/نيسان 1922، كان رجل يسير في شارع كوفنتري الخالي بوسط لندن عندما شعر بكيان يمسكه بإحكام ويغرس أسنانه في عنقه ليستنزف الدم. وجد نفسه بعدها في مستشفى تشارينغ كروس، حيث قيل له إن عنقه مثقوب بشيء يشبه شوكة طويلة رفيعة. المدهش أن أمرًا مماثلًا وقع لضحيتين أخريين في اليوم نفسه وفي المكان ذاته. حيّرت القضية الشرطة والناس ولم يُعرف الجاني.
وزُعم أن الشرطة استعانت بصائد مصاصي دماء تتبّع المخلوق إلى مقبرة هايغيت وقضى عليه بالطريقة التقليدية، بفتح التابوت ودق وتد في القلب. وبالتزامن تقريبًا، في ويست دريتون على بُعد نحو 15 ميلًا غربًا، أبلغ عدة أشخاص أنهم رأوا خفاشًا ضخمًا بعرض جناحين يقارب ستة أقدام يطير حول باحة الكنيسة، يدخل القبور والأضرحة ويخرج منها. وصلت الشرطة ولمحت الكائن، فصرخ وطار مبتعدًا. لا يُعرف إن كان الحادثان مرتبطين، غير أن رجلًا مسنًا هناك قال إن مصاص دماء نشط قبل نحو 30 عامًا وقتل امرأة محلية بعضّ عنقها واستنزاف دمها.