بعض الأشخاص، مثل أرييل كاسترو من كليفلاند، أوهايو، ارتكبوا أفعالًا مقززة لدرجة تصعب التفكير فيها على أنها شيء آخر سوى تصرف شخص مختل وبعيد عن الانسانية، إنه مغتصب ومختطف وسادي، حيث احتجز ثلاث نساء رهائن لمدة تقارب عقد من الزمان قبل أن يتمكنّ من الهروب.
خلال جلسة محاكمة أريل كاسترو في 1 أغسطس 2013 في كليفلاند، أوهايو. حُكِم على كاسترو بالسجن مدى الحياة دون إمكانية للإفراج مع إضافة سنوات اخرى بسبب اختطافه لثلاث نساء بين عامي 2002 و 2004، قال للقاضي حينها: “أنا لست وحشًا، أنا مريض، أنا شخص سعيد من الداخل”.
كان المنزل في شارع سيمور، حيث احتجز النساء، يعكس بوضوح جوًا من المعاناة. الستائر المغلقة على النوافذ كانت تخفي الإرهاب الذي كان يحدث بالداخل، ولكن مع ذلك، يتذكر بعض الجيران مثل جيمس كينغ أن المنزل “بدا غير طبيعي”، على الرغم من هذا لم يحاول أحد أن يتسائل أكثر ويتصل بالشرطة.
كيف وصلت ضحايا كاسترو إلى هذا المكان؟ ولماذا قام بخطفهُنَّ؟ اليكم التفاصيل..
بداية ما حدث مع آريل كاسترو
لم تبدأ أنشطة أرييل كاسترو فجأة. بدأت كلها بعلاقته المسيئة مع زوجته غريميلدا كاسترو.
كان لديهما زواج مضطرب. تركته في منتصف التسعينيات، بعد أن عرض كاسترو أطفالهم الأربعة للتهديد بالقتل والإساءة الجسدية، حيث قام بكسر أنف زوجته وخلع كتفها مرتين، في إحدى المرات، قام بضربها بقوة حتى أصيبت بجلطة دماغية.
وفقًا لملفات المحكمة عام 2005، ذُكر أن كاسترو “يختطف بانتظام بناته” ويحتجزهم بعيدًا عن زوجته.
في عام 2004، أثناء عمله كسائق حافلة في منطقة مدينة كليفلاند المتروبولية للمدارس، ترك كاسترو طفلاً وحده داخل الحافلة، تم فصله من العمل في عام 2012 بعد أن قام بنفس الشيء مرة أخرى.
على الرغم من تقلباته، كانت ابنة كاسترو، أنجي جريج، تعتبره رجلاً “ودوداً ”، حيث كان يأخذها في رحلات على دراجة نارية ويصطف أطفاله في الحديقة الخلفية لقص الشعر. ولكن ذلك تغير تمامًا عندما اكتشفت سره.
“أتساءل طوال هذا الوقت كيف أستطاع أن يكون صالحًا لنا، بينما يأخذ فتيات صغيرات وأطفالًا من عائلات أخرى دون أدنى شعور بالذنب ”.
عمليات خطف كليفلاند
زعم أرييل كاسترو في وقت لاحق أن جرائمه كانت نتيجة لإغتنام الفرصة – إنه رأى هذه النساء، وظروف مثالية سمحت له بخطفهن لأسبابه الخاصة.
“عندما قمت بخطف الضحية الأولى”، قال في المحكمة، “لم أخطط حتى ذلك اليوم. ذهبت إلى فاميلي دولار وفجأة حدث كل شيء”.
ومع ذلك، استغل كاسترو كل ضحية باستخدام تكتيكات مألوفة، حيث عرض على إحداهن جروًا صغيرًا، وعلى أخرى رحلةً بالسيارة، وسأل الضحية الأخيرة عن مساعدة في البحث عن طفل مفقود. استغل أيضًا حقيقة أن كل ضحية كانت تعرف كاسترو وأحد أطفاله أي انهن شعرن بالأمان كونه ليش شخص مجهول.
ميشيل نايت كانت أول ضحية لكاسترو. في 23 أغسطس 2002، وهي في طريقها إلى موعد مع الخدمات الإجتماعية لاستعادة حضانة ابنها الصغير، لم تتمكن نايت من إيجاد المبنى الذي كانت تبحث عنه. طلبت مساعدة المارة، ولكن لم يستطع أحد أن يوجهها بالاتجاه الصحيح. حتى رأت كاسترو.
قدَّم لها توصيلة ولاحظت أنه والد شخص تعرفت عليه من قبل، فوافقت. لكنه قاد بالاتجاه الخطأ، زاعمًا بأن لديه جرو في منزله لابنها، كما أن باب الركاب في سيارته كان يفتقر إلى مقبض.
دخلت المنزل وصعدت إلى المكان الذي قال فيه أن هُنَالِكَ جراء صغار. فور وصولها إلى غرفة في الطابق الثاني، أغلق خلفها الباب، من حينها لم تترك نايت شارع سيمور لمدة 11 عامًا.
كانت أماندا بيري هي الضحية التالية. عندما غادرت عملها في مطعم برغر كينج في عام 2003، كانت تبحث عن توصيلة حين رأت سيارة مشابهة لسيارة كاسترو. مثل نايت، قبلت أن يوصلها فبقيت في احتجازه حتى عام 2013.
كانت الضحية الأخيرة هي جينا ديخسوس، والبالغة من العمر 14 عامًا، وهي صديقة لابنة كاسترو، أرلين. تضاءلت علاقتهما معًا، فذهبت كل منهما في طرق منفصلة في يوم من أيام الربيع في عام 2004.
وجدت ديخسوس نفسها أمام والد صديقتها، الذي قال إنه يحتاج إلى مساعدة للبحث عن أرلين. وافقت ديخسوس وذهبت مع كاسترو إلى منزله.
بشكلٍ غريب، قام ابن كاسترو، أنتوني، الذي كان في ذلك الوقت طالبًا صحفيًا، بكتابة مقال عن صديقة العائلة المفقودة بعد اختفائها. حتى أجرى مقابلة مع والدة ديخسوس المكلومة، نانسي رويز التي قالت: “الناس يراقبون أطفال بعضهم البعض. إنه أمر مؤسف أن تحدث مأساة أنا أعرف جيراني، بارك الله في قلوبهم، فقد كانوا رائعين”.
الأيام الاولى للإختطاف
كانت حياة ضحايا أرييل كاسترو الثلاثة مليئة بالرعب والألم.
كان يُحتجزهن في القبو قبل أن يسمح لهن بالعيش في الطابق العلوي، ومع ذلك، كن محاصرات خلف أبواب مغلقة وغالبًا ما تكون بها فتحات لإدخال الطعام. كن يستخدمن دلاءً من البلاستيك كمراحيض، والتي نادرًا ما يفرغها كاسترو.
ولإضافة إلى سوء الأمور، كان كاسترو يحب أن يقوم بألعاب عقلية مع ضحاياه. في بعض الأحيان، كان يترك باب خزانتهن مفتوحًا لإغرائهن بالحرية. عندما يقبض عليهن، فإنه يرتب لهُنَّ عقابًا من خلال ضربهِن.
في هذه الأثناء، عوضًا عن احتفالات أعياد الميلاد، اضطرت النساء أن يحتفلن بـ “يوم الاختطاف”، مستذكرات الذكرى السنوية لاحتجازهن.
مرت السنوات بهذا الشكل، متخلّلة بالعنف الجنسي والجسدي المتكرر. كانت النساء المحبوسات في شارع سيمور يُشاهِدْنَ العالم يمر عامًا بعد عام، فصلاً بعد فصل – حتى شاهدن حفل زفاف الأمير ويليام وكيت ميدلتون على تلفزيون صغير من نوع أبيض وأسود غير واضح.
أدناه بعض اللقطات للمنزل الذي أُحتجزن به..
تعلمت النساء الثلاثة بعض الأشياء خلال هذه الفترة: كيفية التعامل مع كاسترو، وكيفية أخذ فكرة عمّا يحدث في المنزل، وكيفية إخفاء مشاعرهن الحقيقية.
شعروا أنه قبل كل شيء، هو شخص يستمتع بآلامهِنَّ. تعلموا التظاهر بالمشاعر في جميع الأوقات، لإخفاء هذه التحولات الداخلية.
انقضت سنوات بهذه الطريقة حتى حدث تغيير. أدركت أماندا بيري أن سنوات الاغتصاب جعلتها حاملاً.
أرييل كاسترو لم يكن يرغب على الإطلاق في وجود طفل في تلك الأوضاع المروعة.
ومع ذلك، أصر على أن تكمل بيري الحمل، وعندما بدأت بالولادة، أجبرها على إنجاب الطفل في حوض سباحة صغير لتجنب إحداث فوضى. ساعدت نايت، التي كان لديها ابنها الخاص، في عملية الولادة.
عشن النساء كأنهن في بيت للدُّمى معًا وفي نفس الوقت منفصلات، ودائمًا تحت إشراف كاسترو الذي يضربهن ويغتصبهن حسب رغبته.
كان من المعتاد أن تُحتجز ميشيل نايت مع جينا ديخسوس، لكن نظرًا لأن نايت كانت أكثر امرأة شرسة وقاومته في المجموعة، حيث دخلت في خلافات وصراعات متكررة مع كاسترو.
كان يعاقبها عن طريق منع الطعام عنها، وتقييدها بدعامة في القبو، ومن خلال التعديات المتكررة والاغتصاب. وحسب تصريحها، أصبحت حامل على الأقل خمس مرات، لكن جميعها انتهت بالإجهاض- إذ لم يسمح لها كاسترو بذلك، حيث قام بضربها إلى درجة أصاب معدتها بأضرار دائمة.
في هذه الأثناء، كانت أماندا بيري مُحتجزة في غرفة صغيرة مُغلَقة من الخارج مع طفلها، ابنة تدعى جوسيلين. كانوا يتظاهرون أنهم يذهبون إلى المدرسة في حين لا يزالون محتجزين في المنزل، حيث كانت بيري تبذل قصارى جهدها للحفاظ على أية شعورٍ طبيعي.
حافظت بيري حتى على يومية تسجيل حياتها في المنزل وسجلت كل مرة يعتدى عليها فيها كاسترو.
واجهت ديخسوس نفس المصير الذي واجهته النساء الأخريات. استمرت عائلتها في البحث عنها، غير مدركة أن الفتاة كانت ليست بعيدة عن منزلهم، محتجزة في منزل رجل يعرفونه. حتى قابل كاسترو والدتها مرة وأخذ منها نشرة شخص مفقود توزّعها.
بطريقة سادية ساخرة، أعطى النشرة لديخسوس، حيث سخر ودفعها على الحائط من فكرة أن يجدها أحد ما في يوم من الأيام.
الهروب في عام 2013
بدا أن سجن النساء لن ينتهي أبدًا. عامًا بعد عام، ذبلت أية أمال في رؤية الحرية. ثم في نهاية المطاف، في يوم دافئ من شهر مايو عام 2013، بعد نحو عقد من اختطافهِنَّ، تغير كل شيء.
بالنسبة لـ نايت، كان اليوم غريبًا، وكأن شيئًا ما مُقدَّر لأن يحدث. قاد كاسترو إلى مطعم ماكدونالدز القريب ونسى أن يقفل الباب خلفه.
ذهبت جوسيلين إلى الطابق السفلي ورجعت مجدًّدًا|، وقالت: “أنا لا أجد أبي، أبي ليسهنا، وسيارته اختفت”.
لأول مرة في 10 سنوات، فُتِحَ باب غرفة أماندا بيري ولا أثر لأرييل كاسْترو.
“هل يجب علي أن أخاطر؟” فكرت بيري: “إذا كنت سأفعل ذلك، يجب أن أفعله الآن”.
ذهبت إلى الباب الأمامي الذي كان مفتوحًا ولكن مزودًا بجهاز إنذار. تمكَّنت من إخراج ذراعها من خلال الباب الخارجي المُقفَّل بقفل وسُبرة وبدأت تصرخ: “أي أحدٌ، رجاءً، ساعدوني. أنا أماندا بيري، رجاءً”.
تمكَّنت من جذب انتباه شخص عابر، تشارلز رامزي، الذي ساعدها في كسر الباب. ثم اتصل رامزي بالشرطة عبر خط الطوارئ 911 وتحدثت بيري:
“لقد تم اختطافي، وكُنْتُ مفقودة لمدة 10 سنوات، والآن أنا حرة”، استغاثَّت بيرِّي في المحادثة لإرسال الشرطة لمساعدة زميلاتها المحتجزات إلى عنوان 2207 شارع سيمور.
أدناه اتصال الطوارىء..
عندما سمعت ميشيل نايت الضربات على الطابق السفلي، كانت واثقة من أن كاسترو قد عاد وقد اكتشف هروب بيري.
لم تدرك أنها أصبحت حرة من كاسترو حتى دخلت الشرطة المنزل وسقطت في أذرعهم.
خرجت نايت وديخسوس خلف الضباط من المنزل، إلى ضوء شمس أوهايو، أحرار لأول مرة منذ عقدٍ من الزمان.
كما استذكرت نايت فيما بعد: “لأول مرة كنت قادرة حقًّا على الجلوس خارج المنزل، والشعور بأشعة الشمس التي كانت دافئة جدًّا، ساطعة جدًّا… كان الأمر يشبه إضاءة كبيرة تحميني”.
في نفس اليوم الذي استعادت فيه النساء حريتهن، فقد كاسترو حريته؛ حُبِست بتُهَم جرائم محاولات قتل واغتصاب وخطف وتعذيب.
لقاء البي بي سي مع الضحايا..
أدلى كاسترو بشهادة خلال محاكمته. كان يظهر في شبه فاقدًا لعقله، حيث صوّر كلا من نفسه والنساء الثلاثة كضحايا متساوين لإدمانه الجنسي.
زعم أن جرائمه ليست بالأمور البشعة التي تبدو عليها، وأن ضحاياه عاشوا براحة معه، كشركاء طوعيين.
“معظم العلاقات الجنسية التي جرت في تلك المنزل، وربما كلها، كانت بالتراضي”، هكذا قدم نفسه أمام المحكمة.
“هذه الادعاءات بشأن استخدام القوة بحقهن – هذا غير صحيح تمامًا. لأن هناك أوقاتًا طلبن مني ممارسة الجنس – في كثير من الأحيان. وتعلم أن هؤلاء الفتيات ليسوا عذارى. من شهادتهُنَّ لي، لديهُنَّ شركاء متعددين قبلي، جميعهُنَّ”.
شهدت ميشيل نايت ضد كاسترو، واستخدمت اسمه للمرة الأولى.
سابقًا، لم تذكر اسمه لتجنب أن يكون له سلطة عليها، وكانت تشير إليه فقط بـ “هو”.
“أخذت 11 عامًا من حياتي”، أعلنت. حُكِمَ على كاسترو بالسجن مدى الحياة، ولكن لم يبق في السجن أكثر من شهر واحد، على الرغم من ان ظروف كانت أفضل بكثير مما تعرضت له ضحاياه.
أقدم أرييل كاسترو على الانتحار في 3 سبتمبر 2013، حيث قام بشنق نفسه باستخدام شرائط السرير في زنزانته.
بعد المحاكمة، قامت الضحايا الثلاث بإعادة بناء حياتهن. ميشيل نايت قامت بعمل كتاب عن التجربة المروعة بعنوان “البحث عني: عقد من الظلام” ثم قررت تغيير اسمها إلى ليلي روز لي.
تزوجت في 6 مايو 2015، وهو الذكرى الثانية لإنقاذها. وهي لا تزال تأمل أن تجد طريقة للالتقاء بابنها، الذي تم تبنيه في غيابها، عندما يصبح في سن الرشد.
لا تزال في بعض الأحيان تُذَكِّر بتجاربها المروعة. قالت في مقابلة حديثة: “لا يزال لدي صدمات. وعقلي يتلاعب بي من رائحة عطور معينة وشدة الضوء المفاجىء”.
في غضون ذلك، تأمل أماندا بيري في إيجاد الحب والزواج. تعيش مع ابنتها جوسيلين وتكيّفت لاتخاذ قراراتها الخاصة في الحياة. كما عَمِلَتْ مؤخرًا على فقرة تلفزيونية حول الأشخاص المفقودين في شمال شرق أوهايو.
أمَّا جينا ديخسوس، آخر ضحية لكاسترو، فقد كتبت سيرةً ذاتيةً مع بيري عن تجربتهم المشتركة، تحت عنوان “الأمل: سيرةُ بقاء في كليفلاند”. كما انضمَّت إلى لجنة في شمال شرق أوهايو، التي تساعد في إيجاد الأشخاص المفقودين وتدعم عائلاتهم.
لا يوجد اتصال بين ديخسوس وبيرِّي و نایت. حسب قول نایت: ” كل واحدة منا تعيش حياتها ولن ننسى ما حدث، أتمنة لهن عيش حياة مريحة، حتى نجتمع مرة أخرى”.
أما بالنسبة لمنزل أرييل كاسترو في شارع سيمور 2207 في كليفلاند، فقد تم هدمه بعد بضعة أشهر من كشف جرائمه.
المصدر: مكتب تحقيقات شرطة أوهايو، بي بي سي