يُعتبر السلوك الإجرامي ظاهرة معقدة تتعلق بتصرفات الأفراد التي تتعارض مع القوانين المعمول بها في المجتمع. تلعب كيفية إجابة المجتمع على هذه الأسئلة الأساسية دورًا حيويًا في استجابته للجريمة، بدءًا من تطوير برامج الوقاية من الجريمة إلى تصميم أنظمة الاحتجاز وإعادة تأهيل المجرمين. كجزء من هذا الجهد، يعمل علماء الجريمة والخبراء في مجالات ذات صلة مثل الرعاية الصحية وعلم الاجتماع وعلم النفس على فهم أسباب السلوك الإجرامي، من خلال اقتراح نظريات جديدة واختبار النظريات القائمة.
نظرية الاختيار العقلاني: الصرامة في التعامل مع الجريمة
يتأثر النظام القضائي في الولايات المتحدة بشكل كبير بنظرية الجريمة الكلاسيكية، وهي نظرية الاختيار العقلاني، التي تفترض أن القرار بارتكاب الجريمة ينشأ من تقييم منطقي للتكاليف مقابل المكافآت. تؤكد هذه النظرية على أن العقوبة هي أفضل وسيلة لردع الأفراد عن ارتكاب الجرائم: اجعل التكلفة تفوق المكافأة بشكل كافٍ وسيتخذ الأفراد قرارًا بأن الجريمة ليست مجدية.
من جهة، يبدو هذا الأمر منطقيًا، بل وأحيانًا بديهيًا. لكن هناك عددًا من العوامل التي تعقد هذه الفهم المبسط للجريمة والطبيعة البشرية:
- يمتلك المراهقون أدمغة غير ناضجة لا يمكنها فهم العواقب بشكل كامل.
- يتأثر البشر بشكل عام بمشاعرهم أكثر من تأثرهم بالمنطق والواقع.
- الأفراد الذين يرتكبون الجرائم غالبًا ما يفتقرون إلى المعلومات أو القدرة على اتخاذ حكم سليم.
بمعنى آخر، يفترض الفهم التاريخي للاختيار العقلاني وجود فاعل عقلاني تمامًا، لكن البشر لا يكونون عقلانيين تمامًا أبدًا. بالإضافة إلى ذلك، يقترح المنظرون المعاصرون أن الأفراد الذين قد يتم “تخويفهم” بالعقوبة يكونون بالفعل غير ميالين لارتكاب الجرائم. يعتقد علماء الجريمة المعاصرون أن السياسات المستندة إلى نظرية الاختيار العقلاني يجب أن تستهدف وتركز على أهداف أكثر خصوصية.
ومع ذلك، بينما تطورت نظرية الاختيار العقلاني على الجانب الأكاديمي، فإن السياسات المصاغة وفقًا لمبادئها لم تواكب تلك التطورات. تشمل أمثلة السياسات المتعلقة بالتفسيرات القديمة لنظرية الاختيار العقلاني:
عقوبات صارمة للغاية “تتسم بالصرامة في التعامل مع الجريمة”، ووضع المجرمين الأحداث في منشآت للبالغين.
النظريات البيولوجية والاجتماعية: معالجة الأسباب الجذرية
تقول النظريات البيولوجية الكلاسيكية للجريمة إن الناس “مولودون مجرمين” لا يمكن ردعهم عن ارتكاب الجرائم: سواء كان ذلك بسبب إعاقات عقلية أو جسدية، فإن المجرمين لا يستطيعون تعلم السيطرة على أنفسهم.
على النقيض من ذلك، تركز النظريات البيولوجية المعاصرة على الأسباب الاجتماعية البيولوجية بدلاً من الأسباب الطبيعية البحتة.
يأخذ بعض علماء الجريمة المعاصرين في اعتبارهم الاستعدادات الجينية (بما في ذلك مستويات التستوستيرون والذكاء)، ولكنهم ينظرون إلى التفاعل بين هذه العوامل وبيئة الشخص الاجتماعية بدلاً من التركيز على الصفات التي تبدو غير قابلة للتغيير. من خلال تسليط الضوء على العوامل الاجتماعية، يقترح هؤلاء العلماء أننا يمكن أن نخفف من مخاطر السلوك الإجرامي الناجم عن العوامل البيولوجية.
تبدأ السياسات المستندة إلى هذه النظرية غالبًا من جذور المشكلة على سبيل المثال:
1- توعية الآباء المحتملين في الفئات عالية المخاطر (مثل الأهل العزاب، المراهقون، والأفراد ذوي الدخل المنخفض) لتجنب الظروف التي قد تعيق نمو الأطفال بشكل صحي.
2- تعليم الأطفال بدائل حل النزاعات بعيدا عن العنف في برامج ستوضح في الحطوة التالية.
ولكن على الرغم من ذلك يبقى موضوع الخلل الجيني حاضر وبقوة في تحديد السلوك المريض والميول الخارجة عن الطبيعة.
نظرية التعلم الاجتماعي: التعلم من خلال المثال
تقترح نظرية التعلم الاجتماعي أننا نشارك إما في سلوكيات إجرامية أو غير إجرامية بناءً على البيئة الاجتماعية من حولنا، وأننا نتأثر بشكل خاص بكيفية مكافأة الآخرين أو نمذجة سلوكهم. تؤكد هذه النظرية على أن السلوكيات الإجرامية هي سلوكيات مكتسبة، وبالتالي يمكن مواجهتها من خلال تطوير بيئة اجتماعية لا يتم فيها تطبيع السلوك الإجرامي.
تستخدم هذه النظرية عادة كأساس للبرامج الداعمة، الأقل قسوة، التي تخدم الأحداث، مثل:
برنامج البيئة الانتقالية المدرسية، الذي يساعد الطلاب على دخول المدرسة المتوسطة على التواصل مع المدارس وزملاء الدراسة والمعلمين الذين يقدمون سلوكًا إيجابيًا أكثر مما واجهوه في بيئاتهم السابقة.
المجتمعات التي تتبنى نهجًا وقائيًا مستوحى من التوعية الصحية العامة، حيث تجمع المجتمع معًا لدعم الأحداث المعرضين للخطر.
برنامج “المراهقين، الجريمة والمجتمع”، وهو برنامج متعدد الجوانب يقدم مناهج دراسية في مواضيع مثل حل النزاعات، والمخدرات، وعنف السلاح؛ يستخدم هذا البرنامج نماذج إيجابية مثل المعلمين ورجال الشرطة لتقديم الدروس ويطبق هذه الدروس من خلال مشاريع في المجتمع.
نظرية التصنيف: من أجرم لمرة واحدة، سيبقى دائمًا مجرم
تقترح نظرية التصنيف أنه، سواء كان ذلك يعني التعامل مع شاب على أنه “شاب سيء” أو “مفتعل للمشاكل” أو وجود سجل اعتقال أو احتجاز أكثر رسمية، له تأثير طويل الأمد على الشخص المعني. كانت السياسات المستوحاة من نظرية التصنيف شائعة في السبعينيات، لكنها اعتُبرت غير فعالة ولم تُستخدم، واستُبدلت بنهج “الصرامة في التعامل مع الجريمة” القائم على الاختيار العقلاني كما وضحناه أعلاه.
أظهرت الأبحاث المعاصرة أدلة على التأثير العميق الذي يمكن أن يحدثه التصنيف على الأفراد، حيث أظهرت الدراسات أن التصنيف الرسمي له تأثير قابل للقياس على فرص التعليم والتوظيف المستقبلية للمراهقين، وهي نتائج يمكن أن تؤدي إلى استمرار السلوك الإجرامي.
تركز السياسات المعارضة لنظرية التصنيف بالتالي على تقليل العواقب السلبية للتصنيفات السابقة وتوفير الفرص لنمو جديد. تشمل الأمثلة:
1- سياسات “الحظر”، التي تمنع أصحاب العمل من سؤال المتقدمين عن سجلاتهم الجنائية، وقد أظهرت الأدلة أنها تقلل من تكرار الجرائم.
2- برنامج “دعم المدانون للدخول إلى الكلية” في ويسكونسن وبرامج مماثلة تُعد الأفراد ذوي السوابق الجنائية للنجاح في الكلية.
من خلال هذه النظريات وغيرها من نظريات علم الجريمة، يتعاون الخبراء في العديد من المجالات ذات الصلة، مثل علم النفس، وإنفاذ القانون، والإدارة العامة، لإنشاء مجتمع أكثر أمانًا وعدلًا.
المصدر: اوراق بحثية1، 2، 3