محاكمة الحيوانات في اوروبا، كيف كانت وما أسبابها؟

في محاكم العصر الحديث حول العالم، يمثل المتهمون أمام القضاة وهيئات المحلفين بتهمٍ مثل التخريب والقتل. والمثير أن الحيوانات كانت تفعل الأمر نفسه قبل وقت غير بعيد. ففي أوروبا بين نحو عامَي 1400 و1700، شاعت …

تحذير - قد تحتوي المقالة على مشاهد ونصوص مزعجة وحساسة، يرجى اخذ الحيطة.

في محاكم العصر الحديث حول العالم، يمثل المتهمون أمام القضاة وهيئات المحلفين بتهمٍ مثل التخريب والقتل. والمثير أن الحيوانات كانت تفعل الأمر نفسه قبل وقت غير بعيد. ففي أوروبا بين نحو عامَي 1400 و1700، شاعت محاكمات الحيوانات فما هي على وجه الدقة؟

طيف واسع من الكائنات من الجرذان والجراد إلى الخنازير والحمير—كان يُمثَّل أمام الهيئات القضائية، وأحياناً يُوضَع حرفياً “على المنصّة”، لمواجهة اتهامات بمخالفات متنوعة. وفي بعض الحالات، كان يُعيَّن لها محامون للدفاع عنها.

وانقسمت هذه المحاكمات عموماً إلى نمطين: مدني وكنسي. فالحيوانات الأليفة وحيوانات المزارع، التي عُدّت خاضعة لسيطرة أصحابها، كانت تُحال إلى المحاكم المدنية. أما الآفات مثل الجرذان وغيرها من الهوام، التي اعتُقد أنها تحت تصرّف المشيئة الإلهية، فكانت تُرفَع قضاياها إلى محاكم الكنيسة.

وبعد هذا التمييز، كانت الإجراءات تسير على غرار محاكمات البشر. وإذا أُدينت الحيوانات، فقد تواجه النفي او عقوبات أشد قسوة.

غير متوقَّعين وقعت إحدى أشهر القضايا عام 1457 في سافيني بفرنسا. وكما ورد في كتاب “Book of Days” لروبرت تشامبرز (1869)، وُجِّه الاتهام إلى خنزيرة وستة من خنازيرها الصغيرة بقتل طفلٍ صغير والتهامه.

يوثق تشامبرز: “أُدينت الخنزيرة وحُكم عليها بالإعدام؛ لكن الخنازير الصغيرة بُرِّئت بسبب صِغَر سنِّها، وسوء قدوة أمّها، وغياب الدليل المباشر على مشاركتها في أكل الطفل” (Chambers، 1869، Book of Days).

ولم تكن هذه الإجراءات نادرة. إذ يبدو أن الخنازير كانت أكثر الحيوانات تعرّضاً للمحاكمة. ففي قرى أوروبية كثيرة، كانت الخنازير تتجوّل طليقة، وتكبر حتى تُصبح خطِرة، وأحياناً تهاجم الأطفال الصغار. وفي قضية عام 1386 في نورماندي، حُكم أيضاً على خنزيرة بالموت لقتلها رضيعاً في مهده. وأُلبست الخنزيرة قميصاً أبيض وسِيقَت إلى المشنقة. وخرجت البلدة بأسرها للمشاهدة، بل إن بعض المزارعين أحضروا خنازيرهم لتشهد عملية الإعدام لعلّها “تحسّن سلوكها” لاحقاً.

كما خضعت كائنات منزلية أخرى للمحاكمة. ففي عام 1474 في بازل بسويسرا، وُجِّهت إلى ديكٍ تهمةُ وضعِ بيض وكان هذا السلوك يُعدّ آنذاك غير طبيعي ومرتبطاً بالسحر. جادل الادعاء بأن مثل هذه البيضة قد تُستعمل في الشعوذة، بينما ردّ محامٍ مُنتدَب بأن وضع البيضة كان فعلاً غير إرادي، فلا تُنسب إليه المسؤولية القانونية. ومع ذلك، أُحرق الديك في النهاية مع بيضته.

وبحسب مرويات العصور الوسطى، اعتقد بعض الناس أيضاً أن مخلوق الـ“بازيليسق” المروّع قد يخرج من بيضة ديكٍ تفقّسها أفعى.

أحياناً كان البشر يُحاكَمون جنباً إلى جنب مع حيواناتهم. ففي عام 1750، اتُّهم فلاح يُدعى جاك بمجامعة حماره، ووجِّه الاتهام إلى كليهما. وقد أدلى شاهد على حسن السيرة لصالح الحمار، مؤكداً عفّته؛ فبُرِّئ الحمار، بينما أُحرِق جاك حياً على الخازوق.

ووقعت قضية مماثلة في كونيتيكت عام 1662، حين يُزعَم أن ويليام بوتر اقترف “الفعل غير الطبيعي للفجور الجسدي” مع عدة أبقار وأغنام وخنازير. وقد أُدين الجميع، وأُجبر بوتر على مشاهدة قتل كل حيوان من حيواناته قبل أن يُشنق هو نفسه.

ولم تقتصر محاكمات الحيوانات على المروّضة منها.

أجرت المحاكم الكنسية هذه القضايا لأن الحيوانات البرّية والآفات مثل الجراد والذباب والبراغيث والقواقع لم تكن مملوكة لأحد، تعذّر أسرها وإعدامها. لذلك كان يُحكم عليها بالحرمان أو اللعن، ويتلو مسؤولو الكنيسة التحذيرات عليها في الحقول التي تعيش فيها.

وفي قضية شهيرة عام 1510، دافع الحقوقي بارثولوميو شاسينيه عن مجموعة جرذان اتُّهمت بإتلاف المحاصيل. وعندما لم تحضر الجرذان إلى المحكمة، جادل شاسينيه بأنها امتنعت خوفاً من القطط التي تجوب الشوارع. ولم تجد المحكمة جواباً مقنعاً، فانتهى الأمر إلى إسقاط الدعوى.

ذكر إدوارد ب. إيفانس في كتابه عام 1906 “The Criminal Prosecution and Capital Punishment of Animals” أن الجرذان كانت كثيراً ما تتلقى “رسالة ودّية من باب النصح لحملها على مغادرة أي منزل تُعدّ فيه غير مرغوب فيها”.

وفي عام 1519، رفعت بلدة ستلفيو الألبية في إيطاليا دعوى ضد حيوانات الخُلد (أو ربما الفئران) بسبب إتلاف المحاصيل. وقد دافع محامٍ بأن هذه القوارض تُفيد التربة ولا ينبغي معاقبتها بقسوة. وفي النهاية حُكم على تلك الكائنات بالنفي.

ورغم أن معظم هذه القضايا وقعت في فرنسا وسويسرا وإيطاليا، فإن محاكمات الحيوانات لم تكن حكراً على أوروبا؛ إذ سُجّلت حالات بعيدة مثل البرازيل ونيوزيلندا والكونغو.

نهاية محاكمات الحيوانات

يشير الباحثون اليوم إلى تفسيرات عدة. من بينها اعتقاد المجتمع الوسيط اعتقاداً راسخاً بنظام طبيعي رتّبه الله يكون الإنسان على قمّته. وعندما يختل هذا النظام مثل قتل خنزيرٍ لطفل—كان الناس يرون ضرورة اتخاذ إجراءات رسمية لاستعادة التوازن. كما لبّت بعض المحاكمات حاجة المجتمع إلى العدالة والانتقام عقب جريمة صادمة.

وقد أدّت المحاكمات العلنية للحيوانات وظيفة الردع أيضاً؛ إذ أراد المسؤولون إظهار جدّيتهم في التعامل مع الجرائم وأنه لا مُخالف بشرياً كان أم حيواناً—سينجو من العقاب.

قد يكون هناك دافع مالي أيضاً. ففي مقال عام 2013 في مجلة The Journal of Law & Economics، ذكر الاقتصادي بيتر ليسون بأن المحاكمات الكنسية للآفات ساعدت في زيادة مدفوعات العُشر؛ إذ إن مشاهدة رجال الكنيسة يلعنون الهوام قد تجعل الناس يأخذون سلطتهم على محمل الجد أكثر، ويزيد استعدادهم لدفع ما عليهم.

وفوق ذلك، كان الناس في العصور الوسطى يعاملون الحيوانات على أنها كائنات تحس لا مجرد أشياء. فالاحتكاك البشري المستمر بالحيوانات التي يملكونها حتى 16 ساعة يومياً وصولاً إلى القرن التاسع عشر—أكسب المالكين قدراً أكبر من التعاطف معها.

بدأت محاكمات الحيوانات بالتلاشي مع صعود العلم والعقل خلال عصر التنوير في القرن الثامن عشر. إذ شرع المفكرون يتساءلون عن جدوى معاقبة كائنات لا تميّز بين الصواب والخطأ.

ومع ذلك، لم تختفِ محاكمات الحيوانات بالكامل. ففي عام 1906، حوكم كلب في سويسرا وأُعدم لمساعدته في سطوٍ انتهى بجريمة قتل. وفي عشرينيات القرن العشرين، وُجّهت إلى شمبانزي في إنديانا تهمة التدخين في منطقة ممنوع فيها التدخين أثناء عرضٍ سيركي. وفي عام 2008، أُدين دبّ في مقدونيا بالسرقة بعد أن استولى على عسلٍ من نحّال؛ وبما أن الدبّ من الأنواع المحمية، تكفّلت الحكومة بدفع التعويضات.

ورغم أن الفكرة قد تبدو لنا اليوم مُضحِكة، فإن هذه المحاكمات تكشف الكثير عن الماضي: تُظهر كيف حاول الناس تفسير أحداث مأساوية وغير متوقَّعة في عالمهم، وتذكّرنا بأن حتى أغرب العادات كانت تنطوي على معانٍ عميقة لدى من مارسها.

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
اظهر جميع التعليقات
error: نظرًا لكثرة حالات سرقة المحتوى من موقع تحقيق وإستخدامه على اليوتيوب ومواقع اخرى من دون تصريح، تم تعطيل خاصية النسخ
0
ما رأيك بهذه المقالة؟ شاركنا رأيكx
()
x