وجوه بيلمز: هل كانت ظاهرة مرعبة أم خرافة محلية إسبانية؟

تُعرف ظاهرة وجوه بيلمز بأنها حدث مزعوم ذو طابع خارق في منزل خاص بإسبانيا. بدأت القصة عام 1971 حين أفاد السكان بظهور صور لوجوه شديدة الغرابة على أرضية المنزل الخرسانية.

يقع المنزل في بيت عائلة بيريرا بشارع ريال في بيلمث دي لا موراليدا، إسبانيا، وقد تسببت هذه الوجوه في جذب أعداد كبيرة من الزوار إلى بيلمز.

ومنذ عام 1971، ورد أنّ وجوهاً متعددة كانت تظهر وتختفي على فترات غير منتظمة، وقد جرى تصويرها كثيراً من قبل الصحف المحلية والزائرين الفضوليين. ويعتقد كثير من سكان بيلمِث أن تلك الوجوه لم تُصنع بيد بشرية. كما يرى بعض المحققين في الظواهر الخارقة أنها «فوتوغرافية ذهنية»، يُفترض أنها نتاج لا واعٍ للمالكة السابقة المتوفاة للمنزل، ماريا غوميث كامارا.

أما الباحثون المتشككون فقد أجروا فحوصاً موسعة على الوجوه ويعتقدون أنها مصطنعة، وربما نُفذت ضمن خدعة. ويُشتبه في أن عائلة بيريرا قد تكون نفّذت الخدعة بدافع الربح المالي.

بدأت الروايات عن ظهور الوجوه في بيلمز بتاريخ 23 أغسطس 1971، عندما ادّعت ماريا غوميث كامارا أن وجهاً بشرياً تشكّل تلقائياً على أرضية مطبخها الخرسانية. وبحسب سرد عائلة بيريرا، قام زوج ماريا، خوان بيريرا، وابنهما ميغيل، بتحطيم الصورة باستخدام معول ثم صبّوا خرسانة جديدة. غير أن وجهاً آخر ظهر مجدداً على الأرضية. وقد أُبلغ رئيس بلدية بيلمز بالأمر ومنع تدمير الصورة الجديدة. وبدلاً من ذلك، قُطع جزء من الأرضية الخرسانية ونُقل للدراسة.

روِّج لمنزل ماريا للسياح تحت اسم «لا كاسا دي لاس كاراس» اي «بيت الوجوه» وبحلول عيد الفصح عام 1972، كان المئات يتوافدون إلى المنزل لرؤية تلك الوجوه. وعلى مدار الثلاثين عاماً التالية، ادّعت عائلة بيريرا استمرار ظهور وجوه إضافية ذكوراً وإناثاً بأشكال وأحجام وتعابير مختلفة.

وقد أُجريت عدة تحقيقات في قضية بيلمز:

في مقال نُشر في عدد يوليو 1993 من «مجلة جمعية البحث النفسي»، أشار لويس رويث نوغيث إلى ضرورة التنويه بوجود ثلاث مواد تُستخدم كصبغات في صناعة الدهانات: الزنك والرصاص والكروم. ويُعزّز عنصران منها الرصاص والكروم الاشتباه في استخدام الطلاء لصناعة وجوه بيلمز. وقد افترض رويث نوغيث أن الرصاص استُخدم لعدة أسباب.

لعدة سنوات كان الرصاص أكثر الصبغات استخداماً في إنتاج الألوان الأساسية. وتبيّن أن نسبة الكروم في التحليل منخفضة إلى حدّ لا يجعلها خياراً عملياً. يميل الرصاص إلى إحداث تلوينات داكنة يصعب رؤيتها وهو ما لا يحدث مع الكروم. أما أكثر الطلاءات الأساسية شيوعاً وأقلها تكلفة فهي المينا المحتوية على الرصاص؛ وتُستخدم على نطاق واسع في المنازل لسهولة تطبيقها.

تُثبت تحاليل العينة وجود طلاء. وفي المقابل، يطرح رويث نوغيث عدة اعتراضات على فرضية استخدام الطلاء في العينات.

أعدّ مانويل مارتين سيرانو، وهو عالم اجتماع في جامعة كومبلوتنسي في مدريد، دراسة موسّعة بعنوان «سوسيولوجيا المعجزة»، وهو أول كتاب يكتبه متشكك يتناول هذه القضية حصراً. وعلى امتداد كتابه، يُجري سيرانو مقابلات مع عشرات من سكّان بيلمز، لكنه لا يذكر أي شخص بالاسم. ومع ذلك، تُسهم دراسة سيرانو في تفسير الديناميات الاجتماعية لما يراه خدعة دافعها الكسب المالي.

وعلى الرغم من أن خوسيه لويس خوردان كان نائب رئيس الجمعية الإسبانية لعلم الباراسايكولوجيا، فإنه كان متشككاً إلى حدٍّ كبير. ففي كتابه «البيوت المسكونة»، يحلّل خوردان حالات بيوت مزعوم أنها مسكونة في إسبانيا، بما في ذلك قضية بيلمز.

عام 1971، طلب أحد أقسام «وزارة الداخلية الإسبانية» من خوردان ترؤس لجنة عيّنت تقنيين متخصصين في كيمياء الخرسانة لإجراء دراسة شاملة حول الوقائع الغريبة في بيلمث وتقديم تقرير بذلك إلى السلطات. وفي تقريره، يتناول خوردان عدة احتمالات للاحتيال: «تصبغ بمادة داكنة بنية اللون»، «خليط من السخام والخل». وفي مقابلة أجراها عضوان من «الجمعية الإسبانية لعلم الباراسايكولوجيا»، صرّح خوردان:

“فيما يتعلق بلغز التفاعل الكيميائي، حللتُه باكتشافي أن هذا المركّب يمكن العثور عليه في أي صيدلية. وبهذا يُحلّ اللغز القائل إن الصور كانت غير مرئية وكامنة لفترة من الزمن”.

وفي إسبانيا، تبنّى باراسايكولوجيون متشككون آخرون أيضاً فرضية التزوير. فقد ذكر راموس بيريرا، رئيس «الجمعية الإسبانية لعلم الباراسايكولوجيا»، أنه تبيّن أن «لا بافا»، أولى وأشهر وجوه بيلمز، كانت ذات تلوين، واستنتج أنها قد رُسمت.

من خلال التصوير بالأشعة تحت الحمراء، لاحظنا أن هذه الصورة تُظهر إضافة تلوين فوق مظهرها الأصلي، وحتى آثار شعيرات فرشاة الطلاء كانت مُدركة. وبطبيعة الحال، بعد ذلك لم يبقَ لدينا شك في أنها كانت مُرسومة.

وُضعت «لا بافا» لاحقاً داخل جدار منزل ماريا لأغراض العرض.

لابافا

إلى جانب تحاليل ICV، أُجريت فحوص كيميائية أخرى لوجوه بيلمز من قبل ألونسو، وهو باحث في «المجلس القومي الإسباني للبحث العلمي». وقد نُشر تقرير ألونسو في الأصل في مجلة «سي كومونيكاثيون» الصادرة عن «الجمعية الإسبانية لعلم الباراسايكولوجيا». إلا أن النتائج كانت غير حاسمة في مسألة كيفية تشكّل الصور. كذلك رفض ألونسو إصدار حكم بشأن مزاعم «وجود نشاط خارق للطبيعة». ومع ذلك، أكّد تحليله وجود مركّب «ميلانوكراتي».

عموماً، يُصنع الإسمنت الاصطناعي من الحجر الجيري والطين والجبس (ويُستحصل على الأسمنت الطبيعي من صخور تحتوي على الكلس والطين). وتُعدّ المكونات الرئيسة الجير والطين الكاولينيتي.

وهناك أنواع من الأسمنت مثل الألوميني، المشتق من مواد ألومينية وكُلسية، تكون سوداء اللون (ميلانوكراتية). إن وجود الألومنيوم في تحليل وجه بيلمز المعروف باسم «إل بيلاو» (الأصلع) قد يدل على استخدام مع أسمنت من نوع ألوميني.

كان الباحثان الرئيسيان في قضية بيلمز هما هانس بندر وخيرمان دي أرغوموسا. وتعاونا في بيلمِث وفرايبورغ في أوائل السبعينيات عندما بدأت الظواهر المزعومة. ولم ينشر أيٌ منهما تقريراً رسمياً. كتب بندر القليل جداً عن القضية في مجلته «تسايشتشريفت فور باراسايكولوجي». أما أرغوموسا، وهو باراسايكولوجي إسباني، فقد أمضى عامين في تقييم ما اعتبره لغزاً ماورائيًا، لكنه لم ينشر شيئاً حول الموضوع أيضاً.

وقد أشار بندر إلى القضية عرضاً وذكرها في بعض محاضراته. وكانت ملاحظته الحاسمة تتعلق بإغلاق أجزاء من الأرضية حيث كانت بعض الوجوه قيد التشكل بمادة بلاستيكية شفافة.

الشخص الوحيد من المؤمنين الذي نشر كتاباً كاملاً عن القضية هو خوسيه مارتينيث روميرو. ويُعدّ كتابه «لاس كاراس دي بيلمِث» تجميعاً لحكايات وأحداث مقتبسة. ويرى أرغوموسا، الذي كان المدافع الرئيس عن القضية في إسبانيا سابقاً، أن كتاب مارتينيث روميرو أسهم في النيل من مصداقية الظاهرة.

    أما أكثر الأعمال جديةً الصادرة عن مؤمنين حتى الآن فترد في الفصل الأول من كتاب أندرو كار ماكنزي «المشهود وغير المشهود». لم يكن ماكنزي يتحدث الإسبانية، وخلال إقامته في بيلمز لم يكن لديه مترجم. وقد تلقى عوناً محدوداً من سائق سيارة أجرة ومن ابن مارتينيث روميرو.

    أُجريت دراسات علمية على أحد وجوه بيلمز من قبل «معهد السيراميك والزجاج» (ICV)، باستخدام عينات مأخوذة من وجهين استعادتهما فرقة الأب بيلون في سبتمبر 1990. خضعت العينتان إحداهما بكتلة 30 ملغ والأخرى 60 ملغ لاختبارات معدنية وكيميائية. وبحسب كربالال: «إن النتيجة، بصيغة موجزة للغاية، هي أنه لم يُعثر على أي آثار لطلاء في أي موضع».

    ولكن لايذكر كربالال أيَّ الوجوه خضعت للتحليل، ولا أيَّ أجزاء منها تمثلها كل عينة، ولا نوع التحليل المعدني أو الكيميائي الذي أُجري بالتحديد.

    ترى لويس رويث نوغيث أن التفسير الأكثر احتمالاً للأثر البصري لصور بيلمز هو اقتراح خوسيه لويس خوردان باستخدام عاملٍ مؤكسِد. فالأحماض مثل النتريك والكبريتيك والموراتيك والخليك، وغيرها، يمكن استخدامها للحصول على مثل هذا التأثير. وهناك تفسير بديل يتمثل في استخدام مواد حسّاسة للضوء (لم تُذكر في قوائم خوردان أو بيريرا لفرضيات التزوير): مثل نترات الفضة التي تُظلم عند تعرّضها لأشعة الشمس فوق البنفسجية.

      عموماً، قد توجد ثلاث مصادر كيميائية على الأقل قادرة على إحداث تأثير مماثل لوجوه بيلمز:

      (1) منتجات تؤثر في البنية الكيميائية للإسمنت، وتشمل بعض العوامل المؤكسدة وعدة أحماض (فجميع أنواع الإسمنت قاعدية بطبيعتها ومن ثمّ يسهل مهاجمتها بالأحماض).

      (2) منتجات تترك الإسمنت نفسه سليماً لكنها تغيّر بنيتها الكيميائية عند التماس مع عوامل خارجية مثل الضوء أو الكواشف الكيميائية.

      (3) استخدام صبغة ضمن وسيط، كما ناقش رويث نوغيث في تعليقه على بيانات ICV.

      وبحسب راموس بيريرا، فإن الفرضية رقم تنطبق على أول «وجه جداري» ظهر في بيلمز وهو الوجه المروّع المعروف باسم «لا بافا». ويبدو أن هذه الصورة القديمة تتلاشى حالياً داخل الإسمنت الداكن الرطب، كما يظهر في صور منشورة على موقع إلكتروني. وقد كتب المحقّق المتشكك جو نيكل أن «وجوه بيلمِث» صُنعت عمداً، وأن تصميم الوجوه بدا بدائيًا للغاية.

      وكتب براين دانينغ أن «الوجوه تبيّن أنها كانت مرسومة على الأرضية الخرسانية، الأولى بطلاء ولاحقاً بحمض، وأن المرأة التي تقيم في المنزل وُجد أنها ترتكب خدعة بحق الجمهور من أجل مكاسب مالية».

      وفي عام 2007، أصدر الصحفي خافيير كافانيلس والمحقق فرانسيسكو مانييث كتاباً بعنوان «لوس كاراس دي بيلمز»، حيث يشرح تاريخ الخداع ويشيرون إلى ابن ماريا، دييغو بيريرا، باعتباره مؤلف الرسومات الغامضة.

      في عام 2014، نفّذ برنامج الصحافة الاستقصائية التلفزيوني «كوارتو ميلينيو»، الذي يقدّمه إيكر خيمينيث، تحليلاً فنياً لاكتشاف احتمال وجود خدعة. وقد أُنجز البحث بواسطة خوسيه خافيير غراسينيا، الحاصل على دكتوراه في الهندسة الكيميائية والمدير العام لشركة «ميدكو»، ولويس ألامانكوس، الخبير الجنائي الشرعي.

        وبموافقة مالكة المنزل، استخرج غراسينيا عينات من الوجوه ومضى في تحليلها، ليخلص إلى أن الصور «لم تُصنع بالطلاء» وأنه «وفقاً للمعرفة العلمية والتقنيات المستخدمة في التحليل، لا توجد أي تلاعبات أو عناصر خارجية» في الوجوه. حاول ألامانكوس بعد ذلك إعادة إنتاج صور مماثلة عبر مجموعة الطرائق التي اعتُبرت صالحة في تحقيقات سابقة، بما في ذلك وليس حصراً مذيبات الخرسانة وحمض الهيدروكلوريك ونترات الفضة. وقد أعلن فشله في محاولته محاكاة الوجوه.

        ما هو رأيك؟

        Warning