عندما كانت ناتاشا كامبوش تبلغ من العمر 10 سنوات فقط، تم اختطافها من الشارع من قبل وولفغانغ بريكلوبيل، ومع ذلك، على الرغم من أنها احتُجِزت لما يقارب الثمانية أعوام، إلا أنها لم تفقد الأمل في أنها ستعود يومًا ما لحريتها.
بعد مشاكل والديها، كانت الطفلة ناتاشا تكافح للتأقلم مع الحياة، وفي اليوم الذي تم فيه السماح لها بالمشي إلى المدرسة وحدها، تحولت الأمور للأسوأ عندما توقف رجل في شاحنة بيضاء بجوارها واقتادتها بعيدًا.
للأسف، لم تكن ناتاشا الفتاة النمساوية الوحيدة التي تعرضت لهذا المصير في التسعينيات من القرن الماضي فجميعًا يعلم بقصة اليزابيث فريتزل والتي يمكن قراءة قصتها عبر الرابط.
،قضت كامبوتش الأيام الـ 3000 التالية كأسيرة للخاطف وولفغانغ بريكلوبيل، وقامت بفعل كل ما يلزم للبقاء على قيد الحياة وسط جنونه.
كامبوش نشأت مع والدتها بريجيتا سيرني ووالدها لودفيغ كوخ في فيينا. وتضمنت عائلة كامبوش اثنتين من الأخوات الأكبر وخمسة أطفال من الأخوة والأخوات، انفصل سيرني وكوخ وهي طفلة وتطلقا رسميًا بعد اختطافها. قضت كامبوش وقتًا مع كل منهما وكانت قد عادت إلى منزل والدتها من عطلة مع والدها اليوم السابق لاختطافها، وفي وقت اختطافها، كانت طالبة في مدرسة بريوشيويج الابتدائية.
بعد اختطافها، أخذها خاطفها إلى بلدة ستراسهوف الهادئة، والتي تقع على بعد 15 ميلاً شمال فيينا، لم يكن بريكلوبيل قد اختطف الفتاة على نحو إرتجالي، فقد خطط بعناية لهذه المناسبة، حيث قام بتركيب غرفة صغيرة وخالية من النوافذ ومعزولة صوتيًا تحت مرآبه، وكانت الغرفة السرية محصنة جيدًا لدرجة أنه استغرق ساعة لفتحها.
أعتقدت الشرطة إن عصابات تهريب الأطفال أو سرقة الأعضاء لها علاقة بإختفائها، ووضعت ذلك في الحسبان، وما زاد من الميل لذلك التخمين هو ان الطفلة كامبوش كانت تحمل جواز سفرها معها عندما تم اختطافها، نظرًا لأنها كانت في رحلة عائلية إلى هنغاريا قبل عدة أيام في إجازة مع والدها، مما دفع الشرطة إلى توسيع عمليات البحث على المستوى الدولي. وعلاوة على ذلك، جعلت الاتهامات الموجهة ضد عائلة كامبوش الأمور أكثر تعقيداً.
جاءت تلك الإتهامات الى والديها كون حياتها المنزلية كانت بعيدة عن المثالية وأفاد لودفيغ آدموفيتش، رئيس لجنة حالات الخطف في الشرطة النمساوية، بأن خطف كامبوش وإحتجازها يمثل لها فترة نقاهة مما كانت تعانيه في المنزل، ولكن هذا الإتهام تم نفيه من قبل والدتها بريجيتا سيرني، وتم الحكم على تصريح آدموفيتش بإنه مشوه لسمعة والدتها خلال محكمة جنائية، وتم تغريمه 10،000 يورو حينها.
في كتاب كامبوش الصادر عام 2010 حول اختطافها بعنوان “3096 يومًا”، كشفت عن تعرضها للضرب من قبل والديها، وأنها كانت تفكر في الانتحار يوم إختطافها، ومع ذلك، أكدت كامبوش أن والدتها لم تكن بتلك الدرجة من العنف وكانت حياتها العائلية أفضل من حياتها في الأسر.
أفاد شاهد عمره 12 عامًا بأنه رأى كامبوش يتم سحبها داخل حافلة صغيرة بيضاء من قبل رجلين صباح يوم 2 مارس من عام 1998، ورغم نفي ناتاشا كامبوش وجود أكثر من خاطف فيما بعد، إلا أن تصريح الشاهد أدى لمساع كبيرة من قبل الشرطة، حيث تم فحص 776 حافلة صغيرة، بما في ذلك حافلة الخاطف الحقيقي بريكلوبيل، والذي حققت معه الشرطة لكنه قال بأنه كان وحيدًا في المنزل صباح يوم الخطف، وكان يستخدم الحافلة الصغيرة لنقل الحطام من بناء منزله، وعلى ما يبدو فإن الشرطة إقتنعت بحجته.
استخدمت ناتاشا كامبوش استراتيجية نفسية تكبت فيها عواطفها المتوترة خلال فترة الأسر، ففي البداية، طلبت من بريكلوبيل أن يضعها في السرير ويقبلها قبل النوم، للحفاظ على بعض مظاهر الحياة الطبيعية، ومع مرور الوقت، كان خاطفها يقرأ لها قصص ما قبل النوم ويقدم لها الهدايا، على الرغم من أن تلك الأمور اخذت في التراجع بمرور الوقت، لكن كامبوش كانت ممتنة لأي هدية تحصل عليها، كانت تدرك قليلا الشذوذ والخطأ الذي اكتنفه وضعها، إلا أنها تمكنت من تبرير ذلك في ذهنها لتهدئة عقلها.
تقول: ” عندما كنت في الحمام، كنت أتخيل نفسي في منتجع صحي، وحينما كان يعطيني شيئًا لآكله، تخيلته كرجل نبيل، أنه كان يفعل كل هذا لكونه مهذبًا أو لخدمتي، فلقد خلت أنه من المهين للغاية أن أكون في هذا الموقف”.
لم يكن كل ما قام به بريكلوبيل بريئًا من الذنب، إذ زعم أنه إله وطالب كامبوش بأن تناديه بألقاب مثل “مايسترو” أو “إلهي” مع تقدم كامبوش في السن ومحاولتها معارضته، كان يعنفها جسديًا، وأحيانًا ما يصل إلى 20 مرة في الأسبوع، كما إنه منعها من تناول الطعام وأجبرها على تنظيف المنزل بملابسها الداخلية، وحرمها من الضوء لسنوات.
“لقد أدركت أني ليس لدي أي حقوق” قالت كامبوش، “وبدأ خاطفي في النظر إليّ على أني شخص قادر على العمل الشاق اليدوي”، وتحت ظل قمع مختطفها – الذي وصفته كامبوش أن لديه “شخصيتين” إحداهما غامضة والاخرى وحشية، وحاولت كامبوش الانتحار عدة مرات.
خلال ثماني سنوات من أسرها، كانت ناتاشا كامبوش محصورة في قبو صغير يقع أسفل مرآب ولفجانج بريكلوبيل، كان مدخل القبو مخفيًا خلف خزانة، وكانت مساحة الغرفة 5 أمتار مربعة فقط، كان الباب مصنوعًا من الإسمنت مدعم بالفولاذ، وكانت الغرفة عازلة للصوت بلا نوافذ.
خلال الأشهر الستة الأولى، لم يُسمح لكامبوش بمغادرة الغرفة في أي وقت، ولعدة سنوات، لم يُسمح لها بمغادرة الغرفة الصغيرة ليلاً، بعد ذلك، قضت وقتًا أكثر في الطابق العلوي وفي بقية أنحاء المنزل، ولكن في كل ليلة كانت تُعاد إلى الغرفة للنوم بينما كان ولفجانج في العمل.
في السنوات اللاحقة، سُمح لكامبوش بقضاء بعض الوقت في الخارج بمفردها في الحديقة، وبعد عيد ميلادها الثامن عشر، سُمح لها بمغادرة المنزل برفقته عدة مرات، لكنه هددها بالقتل إذا ما أحدثت أي ضوضاء أو جذب إنتباه، وأخذها لاحقًا في رحلة تزلج إلى منتجع بالقرب من فيينا لبضع ساعات.
كانا يتناولان الإفطار معًا كل صباح، وقدم لها ولفجانج كتبًا لتثقيف نفسها، كما تم إعطاؤها جهاز تلفزيون وراديو لتمضية الوقت، ولكن في البداية، لم يُسمح لها إلا بمشاهدة البرامج المسجلة والاستماع إلى محطات الراديو باللغات الأجنبية لمنعها من إدراك البحث الشعبي عنها.
زعم بويكلوبيل أن أبواب ونوافذ المنزل كانت مفخخة بمتفجرات شديدة وكان يحمل مسدسًا يهددها به، محذرًا إياها من أنه سيقتلها هي وجيرانه إذا ما حاولت الفرار يومًا.
على الرغم من التهديدات، تخيلت كامبوش لحظة الهروب على الدوام، بل إنها حاولت إحداث ضوضاء من خلال إلقاء زجاجات المياه على الجدران، كما حاولت أيضًا جذب الانتباه أثناء الرحلات الخارجية معه، لكن محاولاتها باءت بالفشل.
كيف استطاعت ناتاشا الهرب؟
مع مرور الوقت، أصبح بريكلوبيل أكثر مرونة في احتجاز ومراقبة ناتاشا كامبوش، كان يستمتع بوجود شخص يستمع إليه، على الرغم من أنه أجبرها على صبغ شعرها وتنظيف منزله، إلا أنه شارك أفكاره ومخاوفه وهلوساته معها بشكل مستفيض.
ومع ذلك، لم تتوقف كامبوش عن محاولاتها إيجاد فرصة للهرب، كانت لديها فرص خلال العديد من المرات التي أخرجها فيها بين الناس، ولكن الخوف منعها، ومع بلوغها سن الثامنة عشر، شعرت بتغيير داخلها.
أخيرًا، على مضض ومخاطرة تعرضها للضرب، واجهت خاطفها، قائلة: “لقد وضعتنا في حالة لا يمكننا النجاة منها معًا، واحدًا منا فقط سينجو، أنا ممتنة لك لعدم قتلي ورعايتي جيدًا، لكن لا يمكنك إجباري على البقاء معك إلى الأبد، أنا إنسان بحاجة إلى الحرية، يجب أن تنتهي هذه الحالة”.
لمفاجأتها، لم يتم ضربها أو تنعيفها على الفور كما كنت تتوقع حينما تقول مثل ذلك الكلام، وشكّت أن بريكلوبيل كان موافقًا لما تقوله.
بعد عدة أسابيع، في 23 أغسطس من عام 2006، هربت ناتاشا كامبوش، التي كان عمرها 18 عامًا في ذلك الوقت، من منزل وولفغانغ بريكلوبيل، كانت تقوم بتنظيف شاحنة بريكلوبيل البيضاء في الحديقة عندما تلقى اتصالًا على هاتفه المحمول في الساعة 12:53 ظهرًا.
خرج بعيدًا للرد على المكالمة بسبب الضوضاء العالية الناتجة عن مكنسة الكهرباء، وبينما كان مشتت الانتباه، تركت كامبوش المكنسة تعمل وتوجهت نحو الباب الخارجي، ويا لحظها، لم تكن مقفلة، ركضت عبر حدائق الجيران، وصفت عقلها بأنه كان مشوشًا وأطرافها مشلولة في تلك اللحظة، حيث قفزت على السياج وطلبت من المارة الاتصال بالشرطة، ولكن لم يعرها احدًا اي إهتمام، وبعد حوالي خمس دقائق، طرقت على نافذة أحد جيرانهم وتبلغ من العمر 71 عامًا تدعى إنجي تي وقالت: “أنا ناتاشا كامبوش”، كان ذلك كافيًا لتتصل جارتها بالشرطة، والتي وصلت في الساعة 1:04 ظهرًا.
تم التأكد من هوية كامبوش عبر إحدى الوحمات على جسمها، وايضًا عبر جواز سفرها الموجود في غرفة إحتجازها وعبر الحمض النووي، كانت صحتها جيدة، لكنها كانت ضئيلة الوزن، شاحبة، وخائفة، وبلغ وزنها 48 كيلو غرامًا مقارنة بوزنها حينما إختطفت والذي بلغ 45 كيلو غرامًا، ولم ينمو طولها سوى 15 سنتيمترًا.
بعد معرفته بالأمر، هرب بريكلوبيل، الذي يعمل كتقني إتصالات في شركة سيمنز، ووجدت جثته منتحرًا عبر رمي نفسه امام قطار مسرع في محطة “واين نورد”، وكما يبدو إنه كان قد خطط مسبقًا لما سيفعله إذا ما تم كشف أمره، إتصل بصديقه المفضل كذلك وإعترف له بكل شيء، وقالت كابوش إنه اخبرها إن الشرطة لن تمسكه حيًا يومًا ما، ووجدوا ايضًا إنه كان يرغب بالهروب من النمسا مع ناتاشا عبر وثائق مزورة كان يروم فيها بدأ حياتهما من جديد في مكان اخر.
منذ هروبها، حوّلت ناتاشا كامبوش تجربتها المؤلمة إلى ثلاثة كتب ناجحة، الكتاب الأول وصف اختطافها، في حين تحدّث الكتاب الثاني عن رحلتها نحو التعافي، أما في كتابها الثالث، تناولت مشكلة التنمّر عبر الإنترنت، والتي كانت ضحية لها في السنوات الأخيرة.
وبخصوص الإساءة عبر الإنترنت، صرّحت كامبوش: “كنت أمثل آثام المجتمع غير المحكية، وبالتالي، في عقول متنمّري الإنترنت، لا يمكن أن يحدث الأمر بالطريقة التي وصفتها ومررت بها بنفسي”، تجد كامبوش نوع الشهرة الغريبة التي حصلت عليها بالـ”مزعجة وغير السارة”.
وعلى الرغم من ذلك، رفضت كامبوش أن تكون ضحية، وفي تطوّر غريب، تولت هي الإهتمام بمنزل خاطفها بعد كل ما حدث وتزوره بين الحين والآخر كونها لا تريد أن يتحول المنزل إلى مزار ترفيهي لمراهقتها الضائعة، وطمست ناتاشا الغرفة السفلية عام 2011 والتي يعتقد إنها كانت ملجأ من القنابل بناه جد بريكلوبيل بعد بناء المنزل ابان الحرب العالمية الأولى.
أصدرت ناتاشا كامبوش بيانًا رسميًا رفضت فيه الإجابة على أي أسئلة حول التفاصيل الاخرى أو الإعتداء الجنسي الذي تعرضت له على يد خاطفها.
في الفيلم الوثائقي “Natascha Kampusch: 3096 Days in Captivity”، أعربت كامبوش عن تعاطفها مع آسرها قائلة: “أشعر بالأسف أكثر فأكثر تجاهه إنه مسكين بداخله” لكنها أكدت على إنه مجرم بفعلته.
أشار علماء النفس الذين تم الاستشهاد بهم في الصحف إلى أن كامبوش قد تعاني من متلازمة ستوكهولم ، لكنها تنفي ذلك وتعتقد أن أولئك الذين يستخدمون هذا المصطلح لا يحترمون ولا يسمحون لها بوصف العلاقة المعقدة التي كانت تربطها بخاطفها عبر كلماتها الخاصة.
عندما أُبلغت ناتاشا بوفاة بويكلوبيل، أفادت الشرطة أن كامبوش بكت بلا هوادة وأشعلت شمعة في المشرحة.
في هذه الأيام، تستمتع ناتاشا كامبوش بقضاء وقتها في ركوب حصانها المدعو لوريلي، وتقول: “تعلمت تجاهل الأشياء السلبية والتركيز فقط على الأشياء الإيجابية” وأضافت: “دائمًا ما يمثل لوريلي مصدرًا للسعادة والإيجابية بالنسبة لي”.
المصدر: دي دبليو، ويكيبيديا، كورير