قضية لوسي بلاكمان التي كشفت عن الوجه الأخر لطوكيو!

وجه طوكيو الأخر الذي لم يعلم شيء عن مجرياته معظم المواطنين اليابانيين العاديين، لكن كل هذا تغير عندما اختفت فجأة مضيفة إنجليزية شابة تُدعى لوسي بلاكمان، تعمل في العاصمة اليابانية، وكشف التحقيق والتغطية الإعلامية اللاحقة …

تحذير - قد تحتوي المقالة على مشاهد ونصوص مزعجة وحساسة، يرجى اخذ الحيطة.

وجه طوكيو الأخر الذي لم يعلم شيء عن مجرياته معظم المواطنين اليابانيين العاديين، لكن كل هذا تغير عندما اختفت فجأة مضيفة إنجليزية شابة تُدعى لوسي بلاكمان، تعمل في العاصمة اليابانية، وكشف التحقيق والتغطية الإعلامية اللاحقة عن جانب من الحياة الليلية المظلمة في طوكيو.

كانت لوسي بلاكمان فتاة شابة وجميلة تبلغ من العمر 20 عامًا من عائلة متوسطة الطبقة في إنجلترا، مضيفة طيران مع الخطوط الجوية البريطانية كانت قد سافرت على طريق لندن – موسكو، وجدت أن هذا العمل منخفض الأجر وممل، وقد تركت شركة الطيران في صيف عام 2000 لتأتي إلى طوكيو، حيث سمعت أن هناك ثروة ممكن جنيها بسهولة إذا ما كانت فتاة شقراء قوقازية تتحدث الإنجليزية فيمكنها العمل في نوادي طوكيو الترفيهية، وكانت تخطط لقضاء ثلاثة أشهر هناك، ثم العودة إلى منزل عائلتها في إنجلترا لبدء التفكير بجدية في مستقبلها.

دخلت اليابان في يونيو بتأشيرة سياحية، برفقة شابة إنجليزية أخرى تدعى لويز فيليبس والتي كانت شريكتها في شقة صغيرة في حي يويوجي، وجدت المرأتان عملاً كنادلة في نادي Roppongi Casablanca، وهو عبارة عن نادي صغير مع أرائك عميقة ذات وسائد، كان يقع في مبنى حديث مكون من ستة طوابق يضم أيضًا ملهى ليلي يدعى “Seventh Heaven” سيئ السمعة – وهو أكبر ناد للتعري في المدينة، يشتهر براقصات تعري وغيرها من النشاطات التي تقدمها الفتيات الروسيات الشقراوات وبائعات هوى لاس فيغاس.

وصفها أصدقاؤها بأنها “جميلة، واثقة، ومحبوبة”، كما نُقل عنها قولها بعد أيامها القليلة الأولى في العمل، وهي تصب المشروبات و “تتغازل قليلاً” مع رجال الأعمال اليابانيين الكبار بالسن، قالت: “لا أستطيع أن أصدق إنني أتقاضى أجرًا مقابل القيام بذلك ” حتى أنها وجدت صديقًا، بحارًا أمريكيًا يعمل في قاعدة مدينة يوكوسوكا.

استمرت لوسي في العمل لمدة شهر تقريبًا، حتى قررت يومًا ما الذهاب في رحلة بعد الظهر إلى شاطئ البحر مع أحد العملاء، وأخبرت زميلتها في السكن أنها ستعود في الوقت المناسب لموعد عشاء مسائي، ولكنها لم تعد.

بعد أربع وعشرين ساعة، ذهبت لويز إلى مركز شرطة أزابو، تعاطف الضباط معها هناك، لكنهم أخبروها أنه لا يمكن فتح تحقيق حتى تظهر بعض الأدلة على وجود اختفاء حقيقي، وقالوا لربما إنها تقضي الوقت مع الفتيات الأخريات أو مع أصدقائها الذكور.

وأشاروا إلى أن لوسي، كانت مضيفة في ملهى وكان من المعروف أن الأشخاص في مهنتها يقومون بأشياء غريبة لا يمكن التنبؤ بها، خاصة عندما يكونون في البلاد بشكل غير مستمر، بعد ذلك، ذهبت لويز إلى السفارة البريطانية، لكنها لم تحصل على الكثير من المساعدة أيضًا، ثم تلقت لويز مكالمة هاتفية غريبة، أخبرها فيها رجل ياباني يتحدث بلغة إنجليزية ركيكة أن لوسي تخضع لتدريب تطوعي في مركز ديني ولن تعود لبعض الوقت، لكن لا داعي للقلق لأن لوسي كانت بخير.

بعد تلك المكالمة اتصلت لويز على الفور بوالد لوسي في إنجلترا، الذي صعد على متن الطائرة التالية إلى طوكيو.

في الصورة تيم بلاكمان وزوجته

قضى تيم بلاكمان عدة أيام في التنقل ذهابًا وإيابًا مع الشرطة الذين كانوا يجرون تحقيقًا، لكنهم كانوا غير مهتمين بشكل مباشر بالقضية.

لذلك قرر والد لوسي المحبط، اللجوء إلى وسائل الإعلام، حيث عقد مؤتمرًا صحفيًا رفيع المستوى في السفارة البريطانية، وفي الوقت نفسه، تمكّن من الوصول إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي كان في اليابان لحضور قمة مجموعة الثمان في أوكيناوا، وناشد بلير بدوره رئيس وزراء اليابان آنذاك يوشيرو موري، الذي كان بدوره قادرًا على تحريك القضية.

أكدت السلطات في البداية أنها لم تتمكن من الحصول على أي معلومات حول المكالمة الهاتفية التي أدت إلى اختفاء لوسي في ذلك المساء، لأنه كان من المستحيل تقنيًا تتبع المكالمات التي تم إجراؤها على الهواتف المحمولة، ولكن بعد مناشدات بلير وموري، اكتشفت الشرطة بطريقة “سحرية” التكنولوجيا لتتبع مثل تلك الاتصالات، ووجدوا أيضًا أنهم استطاعوا إكمال تحقيق في هجوم بغاز السارين في مترو الأنفاق عام 1995، عندما قام أعضاء طائفة دينية متطرفة بتسميم ركاب ساعة الذروة الصباحية!

كما أجرى بلاكمان تحقيقه الشخصي للعثور على ابنته، حيث قام بتوزيع 30 ألف منشور بمساعدة ابنته الكبرى صوفي، استأجر مكتبًا، أنشأ خطًا ساخنًا، واتصل برجال ياكوزا وهم افراد مأجورة لها علاقات بالمافيا اليابانية، على أمل أن يكون لدى شخص مرتبط بالعالم السفلي فكرة عن ابنته.

خلال الشهرين المقبلين، من أغسطس إلى أكتوبر، انتظرت جميع الأطراف المعنية عبثًا بعض التقدم في القضية، ولم يكن والدها رجلاً ثريًا بأي حال من الأحوال، فقد عرض مكافأة قدرها 1.5 مليون ين مقابل أي أخبار عن مكان لوسي.

سمع رجل أعمال بريطاني ثري عن الصعوبات التي يواجهها بلاكمان، فقام بعرض مكأفأة أعلى بكثير.

أصبح والد لوسي معروفًا على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد بعد عقد ثمانية مؤتمرات صحفية منفصلة، ولكن لم يكن الجميع في اليابان متعاطفًا مع محنة بلاكمان، إذ كتب أحد القراء رسالة إلى إحدى الصحف قال فيها إن لوسي نالت ما تستحق للعمل في الملهى، وعلقت كاتبة أخرى قائلة إنها إذا عملت عمدًا في مثل هذه الوظيفة بدون تأشيرة عمل وأوراق أخرى، فعليها أن تتوقع ما سيجري لها!

قال أحد العاملين في الملهى الذي عملت فيه لوسي: “أعتقد أن مشكلتها تكمن في أنها بدأت في الانخراط بشكل كبير مع عملائها، تأتي الفتيات الذكيات إلى العمل، يقدمن المشروبات، يبتسمن، ويتصرفن بغباء، ويعدن إلى المنزل في منتصف الليل، لا يقبلن الهدايا أو مواعيد العشاء من العملاء – خاصةً من نوع ياكوزا، فهذا هو الطريق إلى المشاكل”.

أكمل: ” في الواقع، معظمهن يرفضن النوم مع رجل ياباني بغض النظر عن المبلغ الذي يقدمونه، وعندما تفكر في الأمر هو تمييز على أساس العرق، ولكن هذا هو الحال، انظر إلى جميع النوادي الليلية في طوكيو التي لا تسمح للأمريكيين بالدخول، هنا العنصرية في كل مكان وهو أمر طبيعي ويمارس بشكل يومي في هذا البلد، وهو ليس أمر جلبه الغرباء”.

في نوفمبر، ظهر اسم رجل يدعى جوجي اوبارا..

كان أوبارا مديرًا لشركة استثمار عقاري، ثريًا، ويبلغ من العمر 48 عامًا، تم القبض عليه في ذلك الشهر للاشتباه في تحرشه بنادلة حانة كندية في حادثة وقعت قبل أربع سنوات، كانت النادلة المعنية في ذلك الوقت، لم تبلغ عن الحالة، خوفًا من عدم تعاون الشرطة نظرًا لنوع العمل الذي كانت تقوم به وحقيقة وضعها غير القانوني للتأشيرة، لكنها سمعت بعد ذلك عن اختفاء لوسي بلاكمان وقررت ربط تجربتها مع والد لوسي عبر خطه الساخن الخاص.

قام بلاكمان بعدها بنقل المعلومات إلى الشرطة التي أصدرت مذكرة توقيف بحق أوبارا وفتشت منزله في طوكيو، واستولت على العديد من الأدلة، والتي تضمنت عدة عشرات من مقاطع الفيديو للمتهم في أعمال بذيئة متنوعة مع نساء قوقازيات مختلفات، ظهر معظمهن، (وتم التأكيد لاحقًا) أنه تم تخديرهن، وجدوا أيضًا في المجلات التفصيلية التي احتفظ بها أوبارا أكثر من 50 صورة لنساء شقراوات، إلى جانب وصف لمستحضرات صيدلانية متنوعة.

كان أوبارا ابن لأب كوري مولود في اليابان تغلب على التمييز ليصبح مالكًا ثريًا للغاية لسلسلة صالات باتشينكو للقمار، وقد استخدم أموال العائلة ليصبح مضاربًا في العقارات، ومع ذلك، عندما فشل المشروع، أصبحت شركته وفقًا للتقارير، واجهة لغسيل أموال عصابة سوميوشي رينغوكاي ، والتي وفرت له دخلًا كبيرًا.

كان أوبارا، الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة، مغرمًا بالسيارات الأجنبية السريعة البراقة، وقيل إنه كان مهووسًا بالنساء القوقازيات الشقراوات، حيث كان يُعتقد أن شركته وفرت له المخبأً المناسب للقيام بأعماله الوحشية.

ذكرت صحيفة شوكان بوست، في سلسلة طويلة عن أوبارا نُشرت في ذلك الخريف، أنه أجرى جراحة تجميلية على عينيه لجعلها تبدو متسعة وغربية أكثر، وتناول هرمونات النمو وارتدى الأحذية ذات الكعب لتمديد طوله، على الرغم من أنه كان لا زال أقصر من لوسي.

تحدثت مضيفات أجانب قابلتهن الشرطة لاحقًا عن مدى ضخامة ثروة أوبارا واستعداده لمساعدتهن في أي شيء قد يحتجن إليه – من العثور على شقة جديدة إلى الحصول على تأشيرة عمل، وأبلغت إحدى النساء عن حادثة تتعلق بمضيفة زميلة لها، إذ قالت إن أوبارا وعدها بأنه سيأخذها إلى عمارات على شاطئ البحر في زوشي، كاناغاوا، (حيث وقع التحرش بالمرأة الكندية المذكورة أعلاه).

كما تم العثور على خيوط شعر لأكثر من 10 نساء قوقازيات مختلفات في مداهمة على مبنى زوشي المطل على البحر.

ونقلت الصحيفة عن أحد معارف أوبارا قوله إنه يعرف ما لا يقل عن ست مضيفات اختفين بعد أن بدأن في مواعدة أوبارا، وأن أوبارا يعتقد أنه لن تقوم أي من النساء بإبلاغ الشرطة عن أي شيء بسبب وضع تأشيرتهن غير القانونية.

خلال أسابيع من الاستجواب، لم يعترف أوبارا بأي شيء، وأصر على أن جميع الاتهامات الموجهة إليه لا أساس لها، باستثناء اعتداء واحد.

لكن الجيران في مبنى زوشي، أخبروا الشرطة، أنهم تذكروا رؤية أوبارا ذات ليلة، في وقت قريب من اختفاء بلاكمان، وهو يحاول تغيير قفل الشقة الفارغة المجاورة له، وشوهد ويداه مغطاة بالخرسانة أثناء عودته من شاطئ قريب حاملًا مجرفة.

في وقت سابق من ذلك الشهر، تم اكتشاف أنه دفع الملايين نقدًا لشراء زورق آلي، دون حتى فحصه مسبقًا، مما دعا إلى زيادة التكهنات حوله.

بحلول فبراير، كانت الشرطة قد اتهمت أوبارا بارتكاب خمس عمليات اغتصاب لأجنبيات – كنديات وبريطانيات وأستراليات، من بينهن قتل امرأة أسترالية تدعى كارليتا ريدجواي، وبحسب الشرطة، أخذها أوبارا إلى منزله، وأعطاها مشروبات مخدرة حتى فقدت الوعي ثم اغتصبها، عندما لم يتمكن من إيقاظها، حملها ورماها بالمستشفى حيث توفيت المرأة بعد ذلك بأيام قليلة، كان سبب الوفاة جرعة زائدة من المخدرات أو بشكل أكثر تحديدًا، نتيجة الفشل الكبدي، مما أدى إلى تهمة القتل العمد.

بعد ذلك بوقت قصير، عثرت السلطات على جثة مقطعة الأوصال لامرأة قوقازية شقراء مدفونة في كهف بالقرب من منزل أوبارا في زوشي، تم تقطيع الجثة إلى ثماني قطع وحلق الرأس ودفنها في الإسمنت، كشفت اختبارات الحمض النووي أنها كانت لوسي بلاكمان، وتوصل تقرير الطب الشرعي إلى أنها ماتت من جرعة زائدة في شقة أوبارا أيضًا.

تمت تبرئة أوبارا في البداية من جريمة اغتصاب وقتل بلاكمان في محكمة أدنى بسبب عدم وجود أدلة مباشرة، ولكن تمت إدانته عند الاستئناف في محكمة أعلى بتهم الاختطاف والتقطيع والتخلص من جثة بلاكمان، بالتالي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، تم سرد القضية في كتاب لمراسل صحيفة التايمز اللندنية ريتشارد لويد باري، والذي نُشر في عام 2011.

في النهاية، كان الشيء اللافت للنظر في قضية لوسي بلاكمان بصرف النظر عن فظاعة جرائم أوبارا والألم الذي جلبه لعائلة بلاكمان والعوائل الأخرى، كانت التغطية الإعلامية الضخمة وتأثيرها على الرأي العام.

على مدار الأشهر العديدة التي استغرقها الكشف عن القضية، كانت هناك روايات من القصص باللغة اليابانية عن لوسي، مما جعل وجه لوسي مألوفًا للجميع في البلاد، حلل المعلقون في التلفزيون والراديو والمطبوعات اليابانية القصة من كل زاوية يمكن تصورها – عرقية أو جنسية أو قانونية أو أخلاقية – في محاولة لمعرفة ما كشفت عنه تلك الجريمة عن طبيعة وتوجهات الثقافة اليابانية.


هل لدى الرجال اليابانيين انجذاب مرضي للنساء الغربيات الشقراوات؟ هل أصبحت اليابان دولة غير أخلاقية باعتزازها بعنصريتها تجاه الأجانب التي باتت تفوح وينتشر صداها في أكثر من مناسبة؟

السؤال النهائي الذي طرحه الكثيرون في أعقاب قضية لوسي بلاكمان: لماذا ادى اختفاء امرأة بيضاء على يد اليابانيين ليس فقط لتغطية مجلة تايم للواقعة، ولكن لدفع السلطات إلى التحرك نيابة عن مهاجر يعمل بشكل غير قانوني، يبدو أن الإجابة تتعلق بالنفوذ الاقتصادي أكثر من أي شيء آخر.

يبدو أن الشكاوى التي قدمتها السلطات من البلدان الأقل نمواً في اليابان لا تستحق نفس الاهتمام الذي تحظى به شكاوى الدول الغربية الأكثر تقدمًا، وهذا إن دل على شيء فإنه يمنحنا بعض المعرفة بخصوص أولويات اليابان ومراتب علاقاتها مع بقية دول العالم.

سيتم نشر التعليق فور الموافقة عليه.

رأي واحد حول “قضية لوسي بلاكمان التي كشفت عن الوجه الأخر لطوكيو!”

أضف تعليق